الرجل الثاني في اندونيسيا امرأة! ومن تكون غير ميغاواتي؟ هذه التي تجرعت الهزيمة بهدوء وثبات يوم الأربعاء امام رجل هو عبدالرحمن وحيد، فتذوقت امس حلاوة الانتصار امام "مزة هاز" في انتخابات نائب رئيس الجمهورية في مجلس الشعب. ومثل الأمس تنافس الحزب العلماني مع حركة اسلامية كانت تتجمع فيها الاحزاب الاسلامية عندما أجبر سوهارتو في بداية عهده كل الحركات السياسية والنقابية ان تتجمع في ثلاثة احزاب او تجمعات، واحد للحزب الحاكم "غولكار" والثاني للحركات الاسلامية كبيرها وصغيرها PPP والثالث للحزب الديموقراطي الاندونيسي والاحزاب غير الاسلامية PDI. وفي هذه المنافسة كان النصر ل"ميغاواتي"، فأصبحت نائبة لرئيس الجمهورية. ومثلما دوت بعد اعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية انشودة "طلع البدر علينا"، استقبل أمس اعلان اسم النائب الجديد لرئيس الجمهورية بأنشودة "صلاة الله سلام الله على طه رسول الله، صلاة الله سلام الله على يس حبيب الله" مما أضفى على الساحة مزيداً من البهجة والتأثر. الآن يمكن القول ان النخبة السياسية الاندونيسية الماثلة في نواب الشعب في البرلمان اهتدت الى اقامة توازن سياسي يبدأ به العهد الجديد باسناد الرئاسة نيابتها الى فريقين من اهم الحركات الحزبية وأعرقها. وأرضت هذا الجانب وذاك، متمشية مع المصلحة العليا للبلاد، ومهدئة غليان الشارع الشعبي خصوصاً العواطف المتأججة لأنصار ميغاواتي الذين كانوا في حزيران يونيو الماضي انتزعوا النصيب الأكبر من الأصوات في الانتخابات التشريعية. ومع هذا، لا يمكن الحديث عن شراكة في الحكم، بعد ان كانت وانما عن معاضدة جيدة للرئيس وحيد وهو يبدأ فترة حكم مليئة بل مشحونة بالتحديات، اهمها اولاً انهاء عهد سوهارتو وثانياً اقامة النظام الديموقراطي الملائم للعصر ولأندونيسيا على خلاف "الديموقراطية الموجهة" التي سمي بها عهد سوكارنو اول رئيس للجمهورية. ولا يتصور أحد ان النظام المديد للجنرال سوهارتو ولّى نهائياً بتنحي الجنرال وبانسحاب خليفته حبيبي وأيضاً انسحاب حزب غولكار من السباق على الرئاسة ثم من السباق نحو منصب نيابة الرئيس. اذ ان الحزب رشح امس رئيسه اكبر تانجونغ لهذا المنصب ثم سرعان ما سحبه على غرار ما فعله الاربعاء في الانتخابات الرئاسية، وكأنما أراد غولكار ان يقول مرتين: انتبهوا اني هنا! حزب غولكار المستند الى قوة الجيش له ما يقوله في هذا في شأن الدولة والسياسة. فالجنرال ويد جوجو قائد المدرسة الحربية في باندونغ علق على انفصال تيمور: "اننا قلقون على صلابة وحدة الجمهورية فإذا كانت "اتشي" مقاطعة شمال سوماطرا تنزلق نحو الانفصال ولا احد يفعل شيئاً فإن الجيش لا يمكنه ان يبقى متفرجاً، وهذه القضية ليست قضيتنا وحدنا وانما هي قضية الأمة كلها". هل ان الرئيس عبدالرحمن وحيد يرد على هذا الموقف عندما ركز في خطابه امام مجلس الشعب في اثر انتخابه على وحدة الدولة وسلامة اراضيها؟ ولكن الجنرال ويد جوجو كان قدر في تصريحه السابق ان "فترة عشر سنوات على الأقل كافية ليحصل السياسيون المدنيون على التجربة الكافية لقيادة البلاد". ألم تكن هذه الكلمات اشارة للرئيس الجديد مهما كان لونه، اسلامياً أو علمانياً، انه لن يتصرف وحده، وان هناك عيناً ساهرة اسمها الجيش. هذا بالرغم من ان الجيش بدأ يخفف من الخطة التي كان فرضها الجنرال سوهارتو فجعل يخرج من الادارة لملازمة الدور العسكري بدل الدور المزدوج العسكري والسياسي، فان آلافاً من الضباط يحتلون مناصب غير عسكرية تلقوا تعليمات تجبرهم على الاختيار بين الاحتفاظ بمناصبهم وبين العودة الى المهنة العسكرية. وما زال الجنرال ويد جوجو في تصريحه السابق يفسر: "ان الجيش مستعد للانسحاب من السياسة تدريجياً يوماً فيوماً بحسب النضج السياسي المتزايد للنخبة السياسية المدنية في ممارسة الديموقراطية... انه لا يمكننا ان نتحمل المخاطر ولا نريد ان نرى اندونيسيا تتفتت ارباً ارباً". ظواهر عديدة من العهد السابق ستظل قائمة لفترة طويلة حتى تحسم، إن امكن، بالمثابرة وكثير من الفعل الهادئ والصبر الايجابي. اما ملامح العهد الجديد، فهي واضحة نراها اولاً في شخصية الرئيس عبدالرحمن وحيد وفكره اكاديمياً وسياسياً، وثانياً في برنامج حزبين عريقين "نهضة العلماء" و"الديموقراطية" اللذين اصبحا بعد الانتخابات الرئاسية شبه متحالفين وملتزمين التغيير والتجديد والتطوير، وهما حركتان كثيراً ما التقتا في مواقف تاريخية منذ عهد سوكارنو وبناء الدولة، كما التقتا في اضطهاد سوهارتو لهما وبالذات لشخصي وحيد وميغاواتي.