عندما تضعف لغة القيادة الفلسطينية وتختار ان تصف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية بأنه "ضار بعملية السلام" بدلاً من المصطلح الاميركي الذي استخدمه عدد من المسؤولين في ادارة بيل كلينتون، وهو ان الاستيطان "مدمّر" لعملية السلام، فإن هذه القيادة تفتح الباب امام تراجع حكومات كثيرة، منها الاوروبية على وجه الخصوص، عن مواقف تقوم على قرارات الاممالمتحدة، بخصوص اهم القضايا الجوهرية التي يقترب الفلسطينيون والاسرائيليون الآن من معالجتها. وتفتح هذه اللغة الضعيفة الباب لمناقشة العقلية التي تصدر عنها هذه اللغة والثوابت التي تتمسك او لا تتمسك بها، مثلما تفتح الباب لمراجعة المصطلحات التي افرزتها عملية اوسلو، من قبيل "اعادة الانتشار" اشارة الى "انسحاب" قوات الاحتلال الاسرائيلية من الاراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب حزيران يونيو 1967. ومن الواضح ان الاسرائيليين يستخدمون تعبير "اعادة الانتشار" لانهم، ايديولوجياً، لا يقرّون بأنهم قوة احتلال ويرون انهم انما يعيدون نشر قواتهم هنا وهناك في "ارض اسرائيل". والأمثلة على طغيان المصطلحات والمفاهيم الاسرائيلية على عملية السلام مع الفلسطينيين كثيرة تنسحب على ادق تفاصيل هذه العملية مثل "معايير" اسرائيل لاطلاق الاسرى، وشروط استخدام ما يسمى ب"الممر الآمن" صعوداً الى شروط باراك الشمولية التي يحدد بها سلفاً شكل ما يعتبر انه التسوية النهائية مع الفلسطينيين. وواضح ان باراك الذي نجح في اقناع ادارة كلينتون بالتنحي جانباً وتركه للتعامل مع الفلسطينيين وفق شروطه على نحو تصبح فيه واشنطن غير قادرة على اعلان رأي في المفاوضات او الاتفاقات سوى الرأي الاسرائيلي، قد نقل هذه العدوى الى اوروبا. وكان وزير الدولة البريطاني بيتر هين من بين آخر المسؤولين البريطانيين الذين تحدثوا الى "الحياة" في مواضيع عربية مهمة كالعراق وليبيا والنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. وعندما سئل ان كانت الحكومة البريطانية ستعترف بالدولة الفلسطينية عندما يعلنها الفلسطينيونوبالقدسالشرقية عاصمة لها، اجاب بأنها ستكون من اوائل الدول التي ستفعل ذلك ولكن بشرط ان يكون ذلك بموجب اتفاق يقصد بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وهكذا صار هذا الرجل الذي عُرف عنه سابقاً في اوساط حزب العمال البريطاني تأييده لحقوق الشعب الفلسطيني أسير سياسة حكومة عمالية حريصة على ارضاء الخط الاسرائيلي - الاميركي، علماً ان الحكومات البريطانية المتعاقبة اعتبرت دائماً ان القدس بشقيها الغربي والشرقي محتلة، وان القرار 242 الذي صاغه مندوب بريطانيا في مجلس الامن اللورد كارادون يعتبر القدسالشرقية ارضاً محتلة شأنها شأن بقية الضفة الغربية. وكان واضحاً في تصريحات هين ومسؤولين بريطانيين آخرين انهم، بينما يجارون اسرائيل وادارة كلينتون في هذه السياسات والمواقف، يحرصون اشد الحرص على استرضاء الجماهيرية الليبية الآن بعد حلحلة قضية لوكربي طمعاً في عقود تجارية مجزية. ويخشى ان يكون اول انهيار كبير في موقف الاتحاد الاوروبي من القضية الفلسطينية في حلقة بريطانيا برغم مسؤوليتها التاريخية عن جريمة تسليم فلسطين للحركة الصهيونية. وتبقى الحلقة الفلسطينية في السلسلة العربية هي الاضعف، ويزيد من ضعفها كلام ركيك في وصف الاستيطان الذي يعصف بالارض الفلسطينية ويمزقها اوصالاً. ولكن بما ان قضية فلسطين ذات اهمية جوهرية في تقرير المستقبل العربي، فان على الدول العربية ان تتعامل مع الاوروبيين والاميركيين والاسرائيليين وفقاً لما يخدم المصالح العربية