تتنوع المجلات العربية الخاصة بالأطفال من ناحية المحتوى والمادة المقدمة والمساحة المخصصة لمساهمات الأطفال باعتبارهم جمهور تلك المجلات. وعموماً هناك دول عربية لا توجد فيها مجلات أطفال، وأخرى غارقة في محليتها لجهة المادة المقدمة، ودول ثالثة تصدر مجلات متنوعة المادة متجاوزة حدودها القطرية معبرة عن هموم الأطفال في بُعدها القومي. وهذه الأخيرة هي التي سنركز على مجلاتها لمناقشة المساحة المتاحة للأطفال لإبداء آرائهم وتصوراتهم وأحلامهم وطموحاتهم. والاختيار لتلك المجلات ينطلق مما يتوافر لدينا وليس ما هو موجود في كل الأقطار العربية، هذا أولاً، وثانياً راعينا في الاختيار المجلات التي تتعدى حدودها القطرية أو التي تعبر عن قضايا قومية حتى لو خاطبت قراءها المحليين. وبين ايدينا ست مجلات هي: "ماجد" اسبوعية الإمارات العربية المتحدة، "باسم" أسبوعية المملكة العربية السعودية، "علاء الدين" اسبوعية مصر، "أحمد" نصف شهرية لبنان، "قطر الندى" نصف شهرية مصر، "العربي الصغير" شهرية الكويت. هذه المجلات جميعها تعد بمثابة عينة ممثلة لأقطار عدة كما ذكرنا، لذلك أعلن من البداية أنه من الصعب أن تكون قراءتي معمّقة لها لكثرتها، ولتنوع المساحات المتاحة للأطفال أيضاً. لكن علينا أن نبيّن أن هناك اختلافات واضحة بينها تشمل دلالات اللغة ووسائل التعبير ومدى التأثير والتأثر، سواء بالمادة المقدمة أو برؤية الأطفال أنفسهم، ما يدفعنا إلى طرح جملة من الاستفهامات تحدد اجابتها ضمن السياق العام للمقال، منها: هل هذه الاسهامات هي أرقى ما يمكن تقديمه من الأطفال؟ وهل تحديد الأبواب والمواضيع يسمح بظهور إبداعات ويكشف عن تطلعات الطفل العربي؟ وهل المساحة المتاحة كافية؟ ولا شك في أن إجابات هذه الأسئلة تشكل جزءاً مهماً من تحديد مسار حركة الثقافة والإبداع في المنطقة العربية وموقع الطفل العربي فيها، على رغم أن المواضيع المنشورة لا تعبر عن حاجة كل الأعمار. وهناك شكوى متكررة من الأطفال مفادها: "أن العمر يتقدم بنا من الطفولة الى المراهقة لكن معلوماتنا تظل ثابتة". ولمعرفة مدى معاناة الأطفال من خلال المساحة المتاحة لهم للمساهمة، نتتبع كل مجلة من المجلات السابقة. تخصص مجلة "ماجد" ست عشرة صفحة لمساهمات الأطفال، يضاف إليها صفحة واحدة ل"نادي الرسامين" وصفحتان لباب "ارسمني من فضلك" فيصبح بذلك مجموع الصفحات المخصصة لمساهمات الأطفال بجميع أنواعها تسع عشرة صفحة من مجموع 76 صفحة، أي ربع العدد. وهذا يعد كثيراً مقارنة بالمجلات الأخرى، غير أن توظيف تلك الصفحات لم يتم التوفيق فيه، فالصفحات السابقة تحتوي أبواباً عدة منها مثلاً: "بأقلام الأصدقاء"، وهي مساحة تصل أحياناً إلى ثلاث صفحات، مساهمات الاطفال فيها عبارة عن معلومات متفرقة منقولة من هنا وهناك، وهذا العمل لا يعد عملاً إبداعياً، ولن يساهم في إثراء صفحات المجلة. أما باب "بين ماجد وأصدقائه" فهو عبارة عن محاولة للمجلة لمعرفة آراء القراء لا تخلو أيضاً من توجيه، غير أن الأكثر سوءاً في تلك المساحة هو ما يسمى بپ"مندوبي ماجد في كل مكان"، وعددهم كبير للغاية، كما تشير المجلة، لكن الأعمال المقدمة في هذا الباب لا تكشف عن مواهب الطفل، وربما يعود ذلك الى المساحة الضيقة التي يتقاسمها المندوبون مما يخل بإمكان تطوير هذا العمل ليعبر فيه الطفل عن قدرته وحسه الإعلامي والوقوف على أسرار نجاح المجلة. أما العدد المتبقي للمساحة المخصصة لمساهمة الطفل فتبلغ ثماني صفحات. ويمكن القول إن تسميتها بالمساهمة تعد تجاوزاً، ذلك لأن نوع الأسئلة المطروحة ينقصها حسن اختيار الأسئلة، إذ أن عدداً منها يضطر من يريد المساهمة في المسابقة إلى إمعان القراءة في مواضيع المجلة ذاتها. وهذا نوع من الإجبار الذي يرفضه الطفل، خصوصاً إذا استشعر ذلك. وتبقى المساحة الخاصة ب"ارسمني من فضلك" من أكثر المساحات إشباعاً للطفل، وأداة ربط واضحة بينه وبين المجلة، بالإضافة الى المساحة الخاصة بمساهمة "خيال واسع"، حيث تساعد الطفل على تخيل مستقبل الأشياء في الزمن المقبل، وتحديد مستقبله، ونضوج عبقريته المبكرة وكل هذا يحسب لمصلحة المجلة. وعلى النقيض من مجلة "ماجد" تقف مجلة "باسم" التي يسيطر فيها الكبار على كل المساحة تقريباً، باستثناء حوالي أربع صفحات، إثنتان منها لإسهامات الأطفال، وثالثة متنوعة، ورابعة خاصة بالرسومات. وقد استبشر قراء هذه المجلة خيراً حين بادرت بتحرير بعض الأعداد بأقلام الأطفال، وكانت ستصبح تجربة رائدة لو استمرت، على رغم بساطة المواضيع. لكن لم تتمكن المجلة من الاستمرار في هذا العمل، وأعادت الاعتماد على إنتاج الكبار، ومعظمه مترجم. وتبدو مجلة "علاء الدين" متميزة لجهة اتاحتها الفرصة لإسهامات الأطفال، وهي الاسهامات التي بدأت منذ أكثر من سنة، إذ بلغت حتى كتابة هذا المقال 52 سؤالاً و47 إجابة في الركن المسمى "بنك الأفكار المدهشة"، والذي يعتبر أرقى ما في المجلة، خصوصاً أن ملامح المشرف عليه، وهو الشاعر والكاتب اسامة فرج، تبدو واضحة جلية. وقد تمكن الركن، من خلال الأسئلة والإجابات، أن يبعد سطوة الكبار ويعيد المجلة الى اصحابها، أي الى الأطفال. وهذا أمر طبيعي لتنوع الأسئلة، إذ فجّر بعض طاقات الأطفال، وابرز بعضها الآخر همومهم وتطلعاتهم، وحملت اجاباتها تذمرهم من المدرسة والمدرسين والواقع عموماً. وعموماً فإن فكرة "بنك الأفكار المدهشة" طورت أساليب التفكير يتضح ذلك من الاجابات، وبينّت، وإن لم يكن بطريقة مباشرة، فشل اسلوب تكريس ثقافة الكبار حين يحكون عن أنفسهم، أو يكررون قصص حياتهم وتجاربهم غير المفيدة أحياناً. وتضم "علاء الدين" عادة 66 صفحة، ومع ذلك فمساهمة الطفل فيها ضئيلة إذ لا تتعدى ست صفحات، بالإضافة إلى ركن "الأفكار المدهشة". وعلى خلاف المجلات السابقة، تعطي مجلة "أحمد" مساحة أوسع للطفل تصل أحياناً الى 22 صفحة، أي نصف عدد صفحات المجلة، وتظهر في أبواب عدة، سواء من خلال "المندوبين" أو "كاتب وكتاب" أو "المسابقات" أو "الأصدقاء يكتبون"... بالإضافة إلى أنها تتيح فرصة للصغار في فترة الحضانة بوضع مجلة خاصة بهم داخل المجلة. غير أن تلك المساحة المتاحة للأطفال يطغى عليها الاهتمام بالعدد أكثر من الاهتمام بالنوعية، إذ يركز على زيادة الجرعة الدينية، وهذا مقبول ومطلوب وتكاد تتميز مجلة "أحمد" به. بل إن ذلك هو ما يعكس صورتها الحقيقية ويعطيها شخصيتها المعنوية الواضحة، غير أن هذا يجعل من التوجيه عملية غير هادفة أحياناً ولا واعية أحياناً أخرى. ثم أن كثرة المواضيع وقصرها وذكر اصحابها توضح مدى المشاركة، وإن كانت في الوقت ذاته تكشف عن توجيه الكبار لعملية المشاركة تلك التي لا شك في أنها مطلوبة شريطة ألا تكون ضاغطة ومملة ومستفزة للأطفال. وتشترك مجلة "قطر الندى" مع مجلة "أحمد" في الاهتمام بأطفال الحضانة. ومع أن عدد صفحاتها قليل مقارنة بباقي المجلات، إذ لا يتجاوز 36 صفحة، إلا أن مساهمات الأطفال فيها واضحة، والطفل فيها يأخذ حظه سواء من خلال "معارض الرسم" التي يتم فيها نشر رسومات الأطفال والتعليق عليها، أو من خلال قصص الأطفال واسهاماتهم الأخرى. فالطفل فيها له مساحة للمساهمة لكنه لا يترك وحيداً من دون معين، وانما عمله محل اهتمام، وهذا تدخل إيجابي. صحيح أن هناك سيطرة من الكبار أيضاً، لكن بالمقابل هناك تفاعل بيّن بين الأطفال ومجلتهم. إضافة إلى هذا كله فإن تسخير قدرة الكبار وإبداعاتهم وطاقتهم وتجربتهم لمصلحة الأطفال زاد في قوة المجلة وتأثيرها، ويتجلى ذلك في ما ينشر في آخر صفحة من المجلة - غلاف خارجي - تحت عنوان "لوحة وقصيدة"، حيث يُسخّر الشاعر أحمد زرزور ملكته الشعرية وتجربته اللغوية والأدبية لمصلحة رسوم الأطفال في مختلف أعمارهم. وتذهب مجلة "العربي الصغير" في اتجاه خطوات تجربتها السابقة، والحديث عنها يدور على عودتها منذ سنة أي حوالي 12 عدداً، وفيها نجد المساحة المتاحة للأطفال تحت العناوين التالية: "رسائل وصلتنا"، "هواية أبي"، "الكاتب الصغير"، "مسابقات"، "نكت"... وجميعها لا تشغل إلا حيزاً ضئيلاً مقارنة مع ما هو متاح للكبار، حيث تبدو شخصية الطفل من خلال المساهمات باهتة وغير واضحة. والواقع أنه لا يمكن الحكم على التجربة في بدايتها نظراً الى كثرة التغيير الحاصل وعدم الاستقرار والثبات في المساحات المتاحة للطفل. لكن كان من المتوقع أن تتسع المساحة بعد أن ظهرت كتابات متميزة للطفل في ركن "هواية أبي"، أو "الكاتب الصغير"، وأيضاً بعد الاسلوب غير الإبداعي الذي تقدم به المسابقات التي لا تتيح فرصة للمبدعين بقدر ما تتيح فرصة للمحظوظين. * كاتبة جزائرية مقيمة في مصر.