تطورت قضية إقالة محافظ البنك المركزي الأردني الشريف فارس الى شبه مواجهه بين أعضاء في مجلس النواب ورئيس الحكومة مهددين بطرح الثقة بالحكومة إن لم يتم توضيح أسباب الإقالة. وفي تطور مفاجئ قدمت العين ليلى شرف (وهي والدة المحافظ المقال) استقالتها أمس من مجلس الأعيان وسلمتها شخصياً لرئيس مجلس الأعيان طاهر المصري الذي حاول ثنيها عن قرارها. وأبلغت شرف بعض الصحافيين باستقالتها وقالت: «قدمت استقالتي من مجلس الأعيان لأنني لا أريد أن أخدم في دولة الفساد»، مبينة أنها ستخدم الأردن من خلال عملها في مؤسسات المجتمع المدني. وهذه الاستقالة الثانية للسيدة شرف، إذ سبق أن استقالت في بداية عام 1985 من منصبها كوزيرة للإعلام في حكومة أحمد عبيدات. وعللت شرف أسباب إقالة ابنها فارس من منصب محافظ البنك المركزي ب «محاولته محاربة الفساد. جرب محاربة الفساد. وهذا هو السبب الذي لا يمكن معه أن يتستر عليه، ومن يريد أن يدافع عن نفسه فليدافع ويقول لماذا أقيل ابني». وأعربت شرف عن أسفها لإحاطة البنك المركزي بالأمن غداة قرار اتخذته الحكومة بإقالته لمنعه من الدخول، معتبرة أن ذلك انتهاكاً لحرمة المؤسسة وإساءة أيضاً. وبحسب مصادر قريبة من شرف فان رئيس الحكومة البخيت طلب منه هاتفياً السبت الماضي تقديم استقالته بحجة وجود تغييرات في المناصب العليا، لكنه رفض الأمر الذي أدى الى منعه ونائبته من دخول البنك صباح اليوم التالي الى أن تم إقناعه لاحقاً بتقديم استقالته وصدر بعدها قرار بتعيين نائبه محمد شاهين. ونقلت المصادر عن شرف (وهو الابن الثاني للشريف عبدالحميد شرف رئيس الوزراء الأردني الأسبق الذي توفي وهو على رأس منصبه عام 1980) أن سبب إقالته وعدم الرضا عنه إحالته مستثمر أردني (حسن اسميك) الى التحقيق في شبهة غسيل أموال بقيمة مئة مليون دينار، بالإضافة الى وضعه اسم أحد المستثمرين المجنسين على القائمة السوداء. واضطر رئيس الوزراء وتحت ضغط نيابي الى عقد مؤتمر صحافي أمس للحديث عن أسباب إقالة المحافظ. ونفى البخيت علاقة الاستقالة (الإقالة) بالمنحة السعودية والمستثمر اسميك وتسريبات «ويكيليكس». وقال البخيت: «مع كل التقدير لخُلقه لكن المحافظ السابق لا يؤمن بنهج الحكومة ويحرض عليه»، وأضاف: «هو لا يؤمن بالمشاريع الصغيرة ويعارض فكر الاقتصاد الاجتماعي». ولمح البخيت الى أن هذا هو السبب الحقيقي وراء الاستقالة، مؤكداً عدم الانسجام بين المحافظ السابق وهيكل الإدارة الأردنية في شكل عام في المضمون والشكل، وأضاف أن شرف «غير مؤمن ومنسجم والتوجهات الحكومية. فنحن نتحدث عن الأمن الاجتماعي على عكس نهج السوق الحر الليبرالي الذي يؤمن به. فهذه الحكومة لم ترفع سعر المحروقات إطلاقاً، هو لا يؤمن بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة وينكر علينا الاقتصاد الاجتماعي». ووصف البخيت فكر المحافظ شرف ب «الليبرالي» وقال: «بحكم ذلك فهو يؤيد اقتصاد السوق الحر بقوة، وضد توجه الحكومة ويحرَض في الصالونات السياسية على النهج الحكومي ومن يماثله في الفكر ويقول إن نهجها خاطئ ويطالب برفع الأسعار، وهو ما يصرح به ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا الحديث». وانتقد البخيت شرف قائلاً إنه «ينفرد بقراراته في العمل، وأحياناً قد يكون مبعث ذلك شخصيته حيث أنه يعتد بنفسه، وهذا ما يجعله أحياناً يتصرف بفردية»، وأضاف: «ربما لشعوره بأنه محصن بسبب خلفيته الاجتماعية (شريف)، ولهذا جاء القرار لإنقاذ المؤسسة من الإغراق بالفردية». ونفى أن تكون هنالك ترتيبات مالية التزمت بها الدولة جراء إنهاء خدمات شرف قائلاً: «هو قدم استقالته أصلاً ولم يُقل، ومجلس الوزراء هو من يعينه وهو من يقيله». والجدير ذكره أن المحافظ شرف له عقد مدته خمس سنوات مع الحكومة لم يمض منها سوى عشرة أشهر فقط. وحول علاقة قرار إقالة شرف بقضية اكتشافه لغسيل أموال - أو ما يُعرف بقضية اسميك - أشار البخيت الى أن الحكومة هي التي تحيل الى المدعي العام هذه المواضيع وليس البنك. وقال: «يوجد في البنك وحدة لمكافحة غسيل الأموال، وهي تبلغ عن أي اشتباه، وإذا ما حصل تحويلات نقدية كبيرة لكن تبقى صلاحية مراقب الشركات في وزارة الصناعة باتخاذ القرار وهو من اتخذه». وفي ما يتعلق بربط الاستقالة بالمنحة السعودية أكد البخيت أن أموال المساعدات «تأتي من وزارة مالية إلى وزارة مالية من خلال البنك المركزي، وكل المبالغ جاءت من وزارة المالية السعودية ووضعت في حساب الوزارة بالبنك المركزي». ورفض البخيت التعليق على استقالة ليلى شرف وقال: «أنا احترمها وهي سيدة عقلانية ولها مكانة في نفسي»، وفي معرض رده على تصريحات لها اتهمت الدولة بالفساد قال: «قد تكون في لحظة انفعال لكنها طول عمرها في الدولة». وفي وقت لاحق عقدت شرف والمحافظ المقال مؤتمراً صحافياً لتوضيح أسباب الاستقالة والرد على تصريحات البخيت.