في فيلمه الروائي الأول "اللجاة"، اختار المخرج السوري الشاب رياض شيّا، حكاية جارحة من بيئة محافظته "السويداء"، كانت في الأصل قصة طويلة كتبها ممدوح عزام وأعاد المخرج والمؤلف التصرف بها في سياق سيناريو فني تعاونا في كتابته. "اللجاة" منطقة وعرة بين محافظتي درعا والسويداء. بيئة اجتماعية تعيش برتابة تقاليدها الخاصة، كل شيء يمضي بدقة ولكن بقسوة وصرامة بالغتين. فتاة الفيلم... الزوجة الشابة تقع في حب معلم شاب وهي التي زوّجها أهلها بطريقة تقليدية من رجل لا تحبه. هنا تجد الزوجة الشابة نفسها أمام حكم العشيرة الصارم: يجتمع الرجال في ما يشبه طقساً احتفالياً ويصدر القرار الذي لا عودة عنه: الموت. كل شيء في حكاية فيلم رياض شيّا، تقليدي معاد، كررته السينما العربية، إلا المعالجة الفنية التي جاءت جديدة، مبتكرة وغنية بالصورة المشحونة القادرة على التعبير عن حدث اجتماعي جارح. الصورة في فيلم "اللجاة" أداة التعبير الأساسي والأهم، صورة تتجول بين محاورات السيناريو بالقليل القليل من الحوارات. في الفيلم انتباه ذكي من خلال المشاهد المصورة للتناقض الصارخ بين جمال الطبيعة، وقسوة العيش، التي تنعكس بدورها على طبائع الناس فتدفعهم لقتل الحب. والمخرج خلال تصعيد حدثه الدرامي إلى ذروته التراجيدية يقدم الحياة الداخلية لبيئة محافظة السويداء في استقصاء يحتفل بالجزئيات التي تشكل مجتمعة روح الناس ونمط حياتهم... تفكيرهم وانضباطهم الصارم لمفاهيم وقيم أساسية، على رأسها مفهوم الشرف. فيلم "اللجاة" يتناول مأساة الحب في سياق العلاقات الاجتماعية المتناقضة معه والمتربصة به، في لغة بصرية تؤكد على مركزية دور الكاميرا، حيث يلاحظ المشاهد اعتناء المخرج بتقديم الوجوه في تعبيراتها القاسية، في تجاعيدها وتغضناتها وصمتها، بديلاً من الحوارات. هنا تتبادل وجوه الممثلين وحركة الكاميرا عليها وعلى المكان، التعبير عن السياقات والتطورات الدرامية، فالسرد الدرامي إذ يتنازل عن الحوارات الطويلة يجد مساره الأجمل في قوة المشاهد، القوة البصرية المشحونة، والمفعمة بطاقة التعبير، ومن ثمّ الوصول إلى مشاهد يتابع بانتباه ويقظة ولا تفوته جزئية أو تفصيل. أثارت الحلول الاخراجية البصرية عند رياض شيّا، حوارات طويلة بين المخرجين والنقاد بإعادتها الاعتبار إلى مركزية الصورة في الدراما السينمائية التي نجحت في تقديرنا بفضل السيناريو الموفق، الذي ساعد على اسقاط أية حوارات زائدة. وقدم حكايته السينمائية في صياغة بصرية مسكونة بهاجس التعبيرية المؤثرة. اعتقد أن تجربة التمثيل جاءت في هذا السياق البصري شديدة الاختلاف، إذ هي وضعت الممثلين أمام تجربة التعبير شبه الصامت، وهي بدورها تجربة دفعتهم لاستنفار أقصى ما لديهم من مواهب من خلال تصعيد تمثلهم للأدوار التي لعبوها في الفيلم بأقصى ما يمكنهم التمثل. بيئة الفيلم الجبلية، خصوصاً في مشاهده الليلية، جاءت بالغة الايحاء، واضفت مصداقية اضافية على ملامح القسوة التي شكلت مادة الفيلم الأساسية. ولعل ذلك أهم ما في فيلم "اللجاة". قدم المخرج في "اللجاة" عدداً من الممثلين المعروفين، ونجح في اسناد البطولة للممثلة الشابة حنان شقير التي قدمت أداء عفوياً، فيه الكثير من التعبيرية الصادقة. فيلم "اللجاة" لرياض شيّا، يتجاوز عثرات التجربة الأولى، ويقدم مخرجاً يبحث عن أفقه السينمائي في الصورة أولاً، حيث يعيد الاعتبار للغة الدراما السينمائية ويرسم بصورته ملامح الحياة الواقعية وأحزانها، ما أثار نقاشات واسعة بين المخرجين والنقاد العرب، عكست الاهتمام بالفيلم وقيمه الجمالية، التي وجدت استحقاقها في جائزة مهرجان دمشق السينمائي.