تستند الجماعة الاسلامية المتشددة التي نفذت عملية اختطاف السياح الغربيين في محافظة أبين اليمنية شمال شرقي عدن يوم 28 كانون الأول ديسمبر الماضي في تسمية نفسها "جيش عدن - أبين الاسلامي الى حديث شريف عن النبي محمد صلعم بما نصه "يخرج من عدن - أبين اثنا عشر ألفاً ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم". وتضم هذه الجماعة على الأرجح أفراداً انشقوا عن جماعة "الجهاد الاسلامي" قبل سنوات عدة بعدما نجحت السلطات اليمنية إثر حرب الانفصال صيف العام 1994 في احتواء القسم الأكبر من عناصر هذه الجماعة، بما فيها الاسماء القيادية المؤثرة، وذلك في خطة أطلق عليها "عملية الاندماج الاجتماعي" بعد مفاوضات بين الجانبين. وأسفرت تلك المفاوضات عن ترتيب أوضاع هذه المجموعة من خلال انخراطهم في مؤسسات المجتمع المدني ومنحهم فرص الالتحاق بوظائف وأعمال في المؤسسات العامة بشروط كفاءاتهم ومؤهلاتهم العلمية في مقابل التخلي عن التشدد والعنف وتسليم ما في حوزتهم من أسلحة وفض تنظيماتهم لأن دواعي بقائهم أو تشددهم الديني قد انتهت وأن وجود أحزاب سياسية معترف بها وبنشاطها دستورياً وقانونياً يتيح لهم الفرصة لممارسة أي نشاط سياسي في اطارها وفي حدود ما تسمح به القوانين. وبالفعل كان لاعداد كبيرة من عناصر الجماعات الاسلامية ذات الطابع الجهادي بحكم تأثر معظمهم بالمشاركة في حرب افغانستان ضد السوفيات حتى عام 1989، أن التحقت بأحزاب سياسية في مقدمها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والبعض الآخر قدمت له تسهيلات لممارسة الأعمال التجارية بالاضافة الى من التحقوا بوظائف عامة. رفض الاحتواء غير أن عناصر عُرفت بتشددها وينتمي معظمها الى تنظيم الجهاد الاسلامي، رأت عدم الانجرار الى مخطط السلطات باحتوائها، وأن عليها أولاً ممارسة "نوع من الابتزاز" - بحسب رأي أوساط قريبة من الحكم - الذي يضمن عدم تضييق الخناق على نشاطها كتيار اسلامي عُرف عنه التشدد الأصولي المستند الى تفسيرات حرفية للكتاب والسنّة من منظور جهادي يعتمد على محاربة كل المظاهر الخارجة عن الدين الاسلامي بالدعوة وبالسلاح معاً وأيضاً عدم تقييد اتصالاتهم وعلاقاتهم بعناصر جهادية متشددة في دول عربية واسلامية أخرى ومنحها فرصة الدخول الى اليمن والعيش فيه هرباً من طغيان الأنظمة "الكافرة" التي يرون أنها تحارب الاسلام. وأضافت الأوساط نفسها انه لما رفضت السلطات اليمنية هذه الشروط "لاعتبارات وطنية وسياسية بكل تأثيراتها على السلم الاجتماعي والأمن الداخلي وعلاقات البلد الدولية ومناقضتها للقوانين والأعراف السائدة، بدأت هذه الجماعة وهي قليلة العدد وربما العتاد ممارسة أعمال تخريبية. وكان هجوم عناصرها المسلحة على الأضرحة والقبور للأولياء والصالحين في مدينة عدن في أيلول سبتمبر 1994 هو العمل المسلح الأول الذي أعقبه هجوم على بعض أقسام الشرطة ورجال الأمن احتجاجاً على حملة أمنية استهدفت القبض على هذه العناصر ومحاكمتها قضائياً بتهمة التخريب والتطرف وممارسة العمل المسلح ضد أهداف مدنية وإقلاق الأمن واستهداف رجال الأمن ومواقع أمنية". وأضافت ان هذه الجماعة "استغلت حال الاستنفار الأمني في اليمن بعد حرب صيف 1994 تحسباً لأي نشاط أو أعمال تخريبية لعناصر تنتمي للمعارضة في الخارج التي هُزمت في الحرب وفرت الى بلدان أخرى وبدأت في ممارسة نشاط معاد للوحدة والبلد انتقاماً لهزيمتها في هذه الحرب". وقالت مصادر اسلامية كانت قريبة من هذه الجماعة ان ما تحمله من "أفكار اسلامية خاطئة سهّل اختراقها من قبل عناصر متشددة من دول مثل مصر والسودان قدمت بطرق غير مشروعة الى اليمن". وقالت انها لا تستبعد أن تكون أجهزة "استخبارية معادية لليمن أو يهمها إقلاق أمنه واستقراره" تدعم هذه الجماعة التي لا يستبعد بعض الأوساط أن تكون وراء عملية اغتيال الشيخ محمد صلاح وهو مصري الجنسية وكان خطيباً لمسجد الحسين بصنعاء منذ نحو عشر سنوات وعرف عنه هجومه العنيف على بعض الأنظمة العربية. واغتال هذا الشيخ أحد العناصر المتشددة وهو غير يمني في منتصف أيلول سبتمبر العام الماضي. مواجهة مع الشرطة وأشارت المصادر الى ان هذه الجماعة وسّعت نشاطها الى مناطق عديدة في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية. وأشارت الى المواجهة المسلحة التي حصلت عام 1995 بين عناصر متشددة في محافظة الضالع بزعامة "أبو عبدالرحمن الجزائري" وهو جزائري الجنسية ومجموعة يمنية تؤيده معظم أفرادها من الشباب بين 19 - 25 عاماً وبين قوات الأمن التي كانت في مهمة للقبض على الجزائري. وأوضحت ان المواجهة وقعت بعد رفض الأخير تلبية استدعاء من الأجهزة الأمنية للاستفسار عن حديث يمس الأمن الوطني والوحدة الوطنية والمذاهب الاسلامية الأخرى في احدى خطب الجمعة وعلى أثرها قتل شرطيان وأصيب أربعة عندما فاجأت الجماعة رجال الشرطة باطلاق النار من رشاشات وقذائف "آر. بي. جي" وذلك في 23 تشرين الأول اكتوبر 1995. واعتقل "الجزائري" ومجموعته وحوكموا علنياً بتهمة التخريب والتطرف وقتل الأبرياء ومواجهة رجال الأمن بالأسلحة تجاوزاً للقانون. ولا يزال الجزائري ومجموعته رهن الاعتقال. وتابعت المصادر ان هذه الجماعة خففت أثر ذلك من عملياتها. غير أن عناصر تنتمي اليها أوقفتها أجهزة الأمن أثناء متابعة عصابات قامت بأعمال تفجيرات في مدن يمنية بينها صنعاءوعدن خلال الأعوام من 1996 الى 1998. وتجرى منذ نحو عام محاكمة ثلاث مجموعات من هذه العصابات أبرزها جماعة المدعو نبيل تانكي سوري الجنسية التي حُكم على أفرادها بعقبات تراوحت بين الاعدام والسجن. وتؤكد المصادر ان السلطات اليمنية حاولت مجدداً أوائل عام 1997 ونهايته التفاهم مع جماعة الجهاد أو ما تبقى منها بهدف احتوائها. غير أن مؤثرات خارجية وعوامل داخلية جعل هذه الجماعة ترفض أي تفاهم مع السلطات مما دفع أجهزة الأمن الى التركيز على عناصرها وتتبع نشاطها على الصعيدين الفردي والجماعي. ورأت هذه المصادر أنه لما شعرت هذه الجماعة بأنها فقدت شرعية البقاء تحت مسمى تنظيم "الجهاد الاسلامي" أعلنت في منتصف العام الماضي عن تنظيم جديد هو "جيش عدن - أبين الاسلامي" وبدأت في نشر بيانات عبر عناصر مؤيدة لها في دول مثل بريطانيا ومصر وعبر عناصرها النشطة في الداخل تحذر فيه من ممارسة النظام سياسة الانحراف عن الدين وتصفه بالنظام "الكافر". وأصدرت بياناً في 11 تشرين الأول اكتوبر الماضي حذرت فيه السياح والأجانب بعواقب وخيمة ان هم ذهبوا أو مكثوا في اليمن لأنها "أرض اسلامية" والأجانب كفار ومبشرون لأفكار "الزندقة والكفر وممارسة الموبقات". وأصبح النظام - بحسب البيان - هدفاً لها وأصبح اسقاطه واجباً دينياً. وأشار مراقبون في صنعاء الى اجراءات بدأت السلطات الأمنية في اليمن باتخاذها ضد جماعة الجهاد الاسلامي منذ مطلع العام الماضي وشملت ملاحقة العناصر "الجهادية" المشتبه في انضمامها الى خلايا سرية لهذه الجماعة أو التي لها ضلع بحوادث أمنية مثل التفجيرات في محافظات مثل عدن وأبين أو علاقة بحوادث مهاجمة الأضرحة والقبور في عدن أو تلك التي كانت على اتصال بجماعة عبدالرحمن الجزائري التي لا تزال رهن الاعتقال في صنعاء منذ أواخر عام 1995، ومنع عناصرها من تكوين جماعات جديدة أو معسكرات للتدريب على الأسلحة ومداهمة المواقع المشتبه في تواجدها فيها بين وقت وآخر بالاضافة الى تضييق السلطات اليمنية الخناق على تسرب عناصر اسلامية متشددة عربية مصرية وجزائرية وسودانية وليبية وتونسية الى اليمن والتي صاحبها اجراءات بترحيل عناصر من رعايا هذه الدول من الأراضي اليمنية. ولفتوا الى معلومات شبه مؤكدة في صنعاء تشير الى أن السلطات اليمنية سلمت دولاً عربية بينها مصر عناصر مطلوبة من الأجهزة المصرية يُعتقد أنها تنتمي الى جماعات متشددة خلال العام الماضي في ضوء اتفاقات أمنية ثنائية وتوصيات وقرارات مجلس وزراء الداخلية العرب. ويرى هؤلاء المراقبون أن تلك الاجراءات التي قامت بها السلطات اليمنية القت بظلالها على تصرفات الجماعة المتشددة التي شعرت بمخاطر انقراضها والقضاء عليها أولاً بأول من خلال ما لمسته من جدية السلطات في تحقيق هذا الهدف ما دفعها الى القيام بعملية خطف السياح الغربيين في مديرية مودية بمحافظة أبين شمال شرقي عدن وما رافقها من أعمال عنف ضد الرهائن اثناء المفاوضات مع وسطاء من أبناء المنطقة ووجهائها وضباط أمنيين دفعت بهم السلطات للتفاوض على ثلاث جولات خلال أقل من 24 ساعة في محاولة لاطلاق الرهائن بسلام. قوى الامن امام خيارين ولفت المراقبون الى ان الخاطفين هددوا - للمرة الأولى منذ بدء عمليات خطف الأجانب في 1992 - بقتل الرهائن ما لم تستجب مطالبهم. وتابعوا انه لما تحول التهديد الى فعل حقيقي نتيجة تكثيف قوات الأمن من تواجدها ومحاصرتها لموقع الرهائن وبدأ الخاطفون بقتل ثلاثة من السياح، بدا أن قوات الأمن في موقع الحدث كانت أمام خيارين لا ثالث لهما: اما القيام بعملية اقتحام لانقاذ ما تبقى من الرهائن والقبض على الجماعة الخاطفة واما سقوط المزيد من الضحايا بين الرهائن بتمديد المفاوضات وتصبح مهمتها في النهاية القضاء على هذه الجماعة أو القبض على أفرادها. وقالوا ان الخاطفين كانوا يحملون فتوى تجيز لهم قتل الرهائن الغربيين بمبرر انهم "كفار" وحاملو موبقات الى أرض الاسلام ولا يحلمون صك أمان من زعيم الجماعة المدعو زين العابدين المحضار أبو الحسن يأذن لهم مسبقاً بالتواجد على أرض الاسلام. وفي هذا السياق يؤكد اسلاميون معتدلون في صنعاء ل "الحياة" ان جماعة تنظيم "الجهاد الاسلامي" في اليمن ظهرت عام 1992 تحت هذا المسمى ولم يتم اتخاذ اجراءات رادعة لها رغم قلة عدد عناصرها آنذاك بسبب الخلافات بين مسؤولي دولة الوحدة في الفترة الانتقالية. وتضيف ان جماعة الجهاد الاسلامي تكونت أساساً من مقاتلين سابقين في افغانستان وتأثرت بأفكار متشددة لعناصر تنتمي الى جماعات جهادية وتيارات تسمى "الدعوة" و"التكفير والهجرة". ولوحظ خلال الأعوام الثلاثة الماضية أن معظم عناصر "جماعة الجهاد" التي دُمجت في المجتمع أظهرت تفهمها للواقع الذي تعيشه البلاد وابتعدت عن الأفكار المتطرفة.