ترك كلام رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص في خطاب ألقاه في افطار رمضاني غروب الاحد الماضي، عن قيام "اشباح في بيروت ببث الاشاعات في حملات منظمة من الافتراء تستهدف مقام رئاسة الوزراء وايقاع الفرقة بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية"، ردود فعل متفاوتة، لكنه اطلق سجالاً سياسياً واسعاً، ينتظر ان يستمر او يخفت وفقاً للتطورات السياسية في البلاد وللانجازات التي يمكن ان يحققها الفريق الحاكم. فالوسط السياسي ووسائل الاعلام رأت ان اتهام الحص موجه الى رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ببث هذه الاشاعات، وان معركة علنية فتحت بين الرجلين، بعدما كانت اجواء بيروت والاوساط السنّية فيها شهدت منذ التغيير في رئاسة الحكومة، اخذاً ورداً حيال مفاعيل هذا التغيير، سبب اجواء مزعجة للحص، واضطراباً في صفوف مناصري الحريري. فالساحة البيروتية الشديدة الحساسية والمرهفة العاطفة حيال زعاماتها وقياداتها افرزت فور حصول التغيير نوعين من المشاعر وسط الرأي العام. الاول هو الجمهور المؤيد للحص الذي رأى في مجيئه انتصاراً للرجل النزيه النظيف الكف المتمتع باحترام الناس والسمعة الطيبة في الخارج، والذي صمد حيال ظاهرة سياسية مستجدة هي ظاهرة الحريري التي تتوسل المال والسلطة من اجل القضاء على منافسيه وخصومه. اما النوع الثاني من الرأي العام فاستبد به القلق، من ان اخراج الحريري من الحكم، نتيجة خلافه مع رئيس الجمهورية إميل لحود على امر يتعلق بالصلاحيات في الدستور حق الرئيس في تجيير اصوات النواب في الاستشارات النيابية او عدم حقه في ذلك سيؤدي الى اضعاف موقع رئاسة الحكومة في ظل الوهج الطاغي الذي جاء به لحود، مدعوماً من سورية وسائر الدول التي ايدته، ومستنداً الى تأييد ودعم من مؤسسة الجيش. وهذان النوعان من المشاعر تعايشا في ظل ترقب جزء لابأس به من الرأي العام لما ستؤول اليه الامور خصوصاً ان الصدمة السياسية التي خلفها هذ التغيير كانت مفاجئة، وان انطلاقة الحكومة الجديدة تحتاج الى بعض الوقت من اجل الحكم عليها. لكن مجريات الامور لم تكن لتترك هذه المشاعر تخبو. فانطلاقة الحكومة اخذت عنواناً رئيسياً، من بين عناوينها، هو معالجة التركة الضخمة للسياسات التي تعتبرها خاطئة والتي نفذها الحريري. وأخذت تصريحات بعض الوزراء والتسريبات تشير الى نية محاكمة جماعة الحريري واتهامهم بالفساد والرشوة. وبدا من هذه المواقف بحسب احد السياسيين البيروتيين، ان شبح الحريري ومرحلته، يخيم على انطلاقة الحكومة والعهد، ويطغى على مسعاه لوضع خطة او برنامج لمعالجة الصعوبات التي تتخبط فيها البلاد. وعلى رغم ان الحريري ظل يدلي بتصريحات يبدي فيها استعداده لدعم العهد، وانه برر عدم منحه حكومة الحص الثقة بأنها صاغت بياناً وزارياً هاجم سياسته السابقة، خصوصاً انه كان ابلغ الى الحص ان منحه الثقة يتوقف على مضمون البيان الوزاري لهذه الناحية، فإن اوساطه اخذت تتوقع فشل الحكومة الراهنة، بسبب اعلان اركانها نيتهم مراجعة المشاريع التي عمل الحريري من اجل تنفيذها. بل ان اوساطاً سياسية عدة، اضافة الى اوساط رئيس الحكومة، شرحت ما قصده الحص بالحديث عن الاشباح التي تبث الاشاعات بالقول ان محيط الحريري اخذ يبرر توقعه فشل الفريق الحالي في معالجة الازمات، بأن الحص متردد ولا يجرؤ على القرارات الكبرى التي تتطلبها الحلول، وان الحكومة تفتقد الى برنامج واضح ومعظم وزرائها "نظريون وليسوا عمليين" وان الحص فرط بمبدأ تولي مسلم لوزارة المال... وانه غير قادر على جذب الاستثمارات الخارجية على رغم الاحترام الذي يتمتع به في الدول العربية... الخ. ويقول سياسي بيروتي ان ثمة ملاحظات ابداها محيطون بالحريري حيال الحص، لكن ثمة انطباعات نشأت كانت عفوية من بعض الاوساط المسيسة في بيروت، ولم يقتصر تردادها على المحيطين برئيس الحكومة السابق، بل كانت مدار جدل في اندية سياسية وطائفية بعيدة من الرجلين ايضاً، منها ان موقع الحص ضعيف حيال رئيس الجمهورية وانه وافق على معظم التعيينات لمصلحة الاخير من دون ان يتمكن من ارضاء الجمهور البيروتي او السنّي وان اقامة لحود هيكلية في الرئاسة الاولى تتعاطى في شؤون كل الوزارات تمهيد للانتقاص من سلطة مجلس الوزراء والوزراء. وهي ملاحظات، مثلما تناهت الى الحص، بلغت لحود، الذي اعربت اوساطه عن انزعاجها منها، مستغربة "التحريض المذهبي والتصرف على اساس طائفي" ومشيرة الى ان "وضع لحود والحص في خانة طائفية، في قراءة سلوكهما، امر غير وارد عندهما، كما يشير اليه تاريخ كل منهما وذهنيته"، ومعتبرة ان "عقلية كهذه هي التي تحول دون بناء الدولة والمؤسسات، وان الرئيسين لا يطلبان شيئاً لنفسهما ولن يفعلا وان من عينوا، طبقت النزاهة والكفاية عليهم قبل اي انتماء او علاقة خاصة...". حتى ان بعض الاوساط السياسية اشار الى ان الحريري كان انتقد امام لحود نيته السعي الى تسمية الحص، في اللقاء الاخير الذي عقد بينهما وقَبِل فيه رئيس الجمهورية اعتذاره. وانزعج لحود من انتقادات الحريري هذه. وفيما ترى اوساط الحص ان فريق الحريري "يريد التغطية بهذه الحملات على ضعف الحص وتوقع فشل الحكومة... على كشف الاخطاء التي ارتكبها في الحكم وسياسة الفساد والافساد التي مورست"، يقول المحيطون برئيس الحكومة السابق انه كان ابلغ الى الحص في آخر لقاء بينهما اثناء استشارات الاخير لتأليف الحكومة انه مع دعمه ومساندته لأنه مع تمتع رئاسة الحكومة بالقوة، اذا انتهج سياسة لا تطيح ما انجزه، وانه لن يحمي او يغطي اي موظف تكتشف الدولة انه ارتكب مخالفات او سرق او تجاوز، لكنه ضد التجني. واعتبرت اوساط الحص ان الحريري يشن الحملة في بيروت وغيرها من المناطق، وان وفوداً زارته بتوجيه من جماعته ابلغت اليه كلاماً مزعجاً، ويعمل بإمكاناته الضخمة من اجل زيادة الصعوبات الاقتصادية في البلد، فيما يؤكد فريق الحريري ان الاخير أخر البدء بسلسلة الافطارات وفضّل السفر، حتى لا يزعج الفريق الحاكم بفعل اقبال الناس عليها من باب التعاطف معه ضد خروجه من الحكم على الشكل الذي خرج فيه، وانه طلب من فريقه عدم التحرك ضد الحكم والحكومة ومن كبار الموظفين في الدولة التجاوب مع ما يطلبون بأقصى انضباطية وعدم الاستقالة والتعاطي بإيجابية، وان كل الانتقادات او حالات التعاطف مع الحريري عفوية وغير منظمة. ويعترف احد وزراء حكومة الحص بوجوب عدم المفاجأة، اذا كان هناك تعاطف شعبي مع الحريري لأنه ترك اثراً في نفوس الناس ولكن يجب تفهم حساسية الرئيس الحص ومواقفه ايضاً والمهم الآن تهدئة السجال الذي انطلق نتيجة تضافر عوامل عدة بيروتية، وسياسية عامة.