فاجأت موسيقى النشيد الوطني اللبناني الذي افتتح به الحزب الشيوعي اللبناني مؤتمره الثامن الحاضرين، اذ شعر هؤلاء انه قدم بتوزيع موسيقي جديد وان آلات حديثة أقل صخباً شاركت في عزفه مما خفف من وقفة التحدي والمهابة التي تفرضها موسيقى هذا النشيد الاصلية على سامعيها، ويتضح الموقف أكثر عند سماع نشيد الأممية الذي تلا النشيد الوطني في المؤتمر. اذ انتزعت منه كل الاصوات القوية، وخفض المنحى الحماسي فيه. وتخللت المعزوفة التي حافظت على السياق العام للنشيد تغييرات وزيادات في عدد الآلات النفخية، وساعد ادخال "ساكسوفون" على تهدئة علو صوت الموسيقى وانخفاضها. قال احد السامعين "انها بداية خير ربما"، فتهدئة الموسيقى قد تعني تهدئاتٍ اخرى، خصوصاً ان الامين العام للحزب فاروق دحروج سبق ان تحدث عن "تعدد في الآراء داخل الحزب"، وهذه سابقة تسجّل، ثم ان قطاع الطلاب والشباب في الحزب وزّع بياناً على المشاركين والمدعوين أعلن فيه استغرابه لتهميش دور الطلاب والشباب والنساء في إنتاج القرار الحزبي، وان يوزّع بيان حزبي يعترض على القيادة وآرائها، في مؤتمر للحزب الشيوعي، سابقة ثانية ايضاً. الحديث عن التيارات والتسوية التي خرج فيها الامين العام السابق للحزب جورج حاوي، يطغى على الأحاديث الاخرى. التي يتناقلها المؤتمرون وضيوفهم، والتي تقضي بمجيء فاروق دحروج أميناً عاماً وحاوي رئيساً للمجلس الوطني، وثلاثة نواب للأمين العام، على ان يتم استيعاب "التيار الوطني الديموقراطي" في المجلس الوطني عبر تمثيله بخمسة اعضاء أو ستة من أصل سبهيم عضواً، والأحاديث ايضاً تطاول امتعاض التيار التقليدي المتشدد والممثل بسعدالله مزرعاني، وحسين حمدان وماري الدبس من هذه التسوية. وما يحصّن التسوية ويمنعها من الانهيار. هو ان ليس للشيوعيين رغبة في اهتزاز حزبهم من جراء خروج مؤتمرهم بقيادة غير مجمعٍ عليها خصوصاً انهم يتناقصون مؤتمراً بعد مؤتمر. الشيب أكثر من الشباب في الحزب، وهم صفقوا كثيراً لممثل الحزب الشيوعي الروسي سيرغيه بوتابوف الذي كان أول المتحدثين والذي قال كلمته بالروسية في حين تولى مترجم نقلها الى العربية وراءه. ولوحظ ان كثراً من المشاركين يتقنون لغته ويرددون وراءه كلمات تلك اللغة التي أثارت فيهم حنيناً الى بلاد قضوا فيها سنوات عدة حين ارسلهم حزبهم للتعلّم فيها.. ووقف اكثر من واحد ليحّيي بوتابوف، مرددين كلمة "تافاريش" أي "رفيق" بالروسية. ربما كان عدد الوفود من خارج الحزب المشاركة في المؤتمر ولا سيما الاجنبية منها، يفوق عدد الشيوعيين، وتولى مترجمون نقل الخطب لهم الى الانكليزية والفرنسية. وقال احد قياديي الحزب لعضو في الوفد الياباني جاءه محتجاً على كثرة المدخنين في قاعة المؤتمر المغلقة "ان التدخين عادة شيوعية قديمة لم يتمكن الشباب من الاقلاع عنها". ويظهر واضحاً حرص الشيوعيين على الخروج من المؤتمر بأقل خسائر ممكنة، وهم حرصوا على رغم حجم الخلافات التي تعصف بينهم على الحضور، حتى أولئك المغالون في تشاؤمهم جاءوا الى المؤتمر، وجلسوا متباعدين. وأبدوا احياناً امتعاضاً من كلمة دحروج التي لم تأت بجديد كما قالوا، وحمل آخرون مشروع وثيقة المؤتمر التي أعدت قبل اشهر، وشرعوا يلوّحون بأسى احياناً وسخرية في احيان اخرى. وقال أحدهم "اقترحت الوثيقة على الشيوعيين ان تكون معارضة الحريري محور حياتهم السياسية، اما اليوم فنحن نواجه معضلة ذهاب الحريري، فعلى ماذا ستدور حياتنا الحزبية والسياسية؟". لكن تقرير الامين العام الذي راهن الجميع على وجود أجوبة فيه عن اسئلة من هذا النوع لم يحمل أي إجابة باستثناء اشارات عامة ألمح فيها الى دعم العهد الجديد، والى الحرص على الحريات العامة ووحدة المسارين السوري واللبناني. المشاركون في المؤتمر من خارج الحزب، كالمثقفين والصحافيين والنواب الحاليين والسابقين، سبق لهم ان شاركوا في النقاشات عبر ابداء آرائهم لأطراف الحزب. يقول الياس عطاالله "ان جميعهم نصحوا بتجاوز الازمة وقبول التسوية"، وهذا ما يؤكد صحة الكلام على ان هناك من نقل مشكلة الحزب الداخلية الى خارجه، وأشرك فيها رأياً عاماً أوسع... وقد يكون في هذا الكلام إفراط في التفاؤل، خصوصاً اذا سمعنا تقرير الامين العام، واذا تذكرنا ان الشيوعية فشلت.