لا يشكل ارتياد النساء المساجد حالة استثنائية من الوجهة الشرعية، بل تتيح مدارس الفقه حضور النساء لصلاة الجماعة الا في حالات "الفتنة"، والمقصود هنا ازدياد الفساد بحيث لا تأمن المرأة على نفسها في ما لو خرجت الى المسجد. وهذه الحالة الاستثنائية وضعها الفقهاء نتيجة ظروف خاصة شهدتها المدن الاسلامية خلال مراحل تاريخية معينة. وظاهرة تواجد النساء في المساجد لحضور الصلاة الجامعة اسوة بالرجال، والتي غابت احياناً بفعل التبدلات التي طرأت على الحياة، تعود اليوم بقوة في دمشق خصوصاً في رمضان، حيث يخصص مكان للنساء ويتم تحديد احدى بوابات المسجد لدخولهن عملاً باحكام الشريعة في الفصل ما بين الجنسين. وهذه الظاهرة لا تنفصل عملياً عن اشكال الحياة الاخرى سواء في رمضان او في غيره من الاشهر، فالمساجد الكبيرة التي تخصص دروساً اسبوعية في الفقه راعت حاجة النساء للعلم الديني والمشاركة فيه، وحاولت تلبية هذا المطلب وفق اتجاهين: الأول سعى الى استخدام التقنيات الحديثة حيث تتابع النسوة الدرس الديني في دائرة تلفزيونية مغلقة وذلك في غرف منفصلة تماماً عن الرجال ويستطعن بذلك امتلاك مساحة حرية اوسع، كذلك مشاهدة اشرطة فيديو سجلت عليها دروس دينية في وقت سابق وفي اماكن مختلفة من المعاهد الاسلامية في العالم. والثاني يتم بتخصيص مكان لهن في المسجد بحيث يسمعن فقط الحديث وان كن يصبحن اقرب الى حيوية الدرس. وفي مسجد ابي النور الذي يعتبر بمثابة كلية شرعية في دمشق، نجد الشرط التعليمي للنساء واضح المعالم، فقد تم بناء المسجد بشكل يراعي احتياجاتهن ويقدم لهن فرصة اكبر للفائدة من الدروس اليومية. اما في المساجد العادية فان ترتيبات مثل هذه الأمور تتم بشكل بسيط عبر ستار يقسم المسجد، او بتخصيص الطابق السفلي او العلوي لهن مع مراعاة المداخل الخاصة وأماكن الوضوء للنساء فقط. لا يقتصر امر ارتياد النساء للمساجد على موضوع العلم فقط، فمنذ فترة ليست بالقصيرة اصبح وجودهن شأناً طبيعياً في بعض المواسم الدينية. ففي الخامس عشر من شعبان تشهد معظم المساجد قياماً لليل تشارك فيه النساء بشكل واضح. وابتداء من اول ايام رمضان يصبح مشهد النساء في الشوارع خلال ساعات السحر شأناً مألوفاً، فيتوجهن لأداء صلاة الفجر مع ازواجهن في الغالب ويحضرن الدرس اليومي الذي يستمر حتى الضحى. والملفت في هذا المشهد اليومي طبيعة الزي الأبيض الذي ترتديه النسوة والتفاوت في الاعمار، فلا يقتصر الحضور على ربات البيوت او المسنات بل هناك فتيات صغيرات ويافعات ومراهقات ايضاً، وبعضهن ممن لا يستخدمن الحجاب في الحياة اليومية وانما يحرصن في رمضان على الالتزام بالعبادات الجماعية. وخلال العشر الاواخر من رمضان يبدأ قيام الليل بشكل يومي وتحرص النساء ايضاً على المشاركة فيه. ولا يعني هذا الحرص اي خلل في النظام اليومي لربات البيوت لأن رمضان يتيح فترة راحة قبل المباشرة في اعداد الطعام للعائلة. ويضيف هذا الشكل بعداً جديداً للحياة في هذا الشهر، سواء عبر المشاركة الجماعية في العبادات او من خلال العلاقات التي تنشأ قبل او بعد الذهاب للمسجد. ويكون هذا الشهر الكريم قد اعاد عملياً تكوين الصورة الاجتماعية ليجعل العبادة شأناً حيوياً يمس أفراد المجتمع كافة، ويتيح للنساء فرصة استثنائية لممارسة نشاط يدخل في عمق النفس الانسانية.