سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حوار يصل أيضاً إلى تقويم المؤرخين العرب القدماء . الفلسطيني طريف الخالدي أول عربي منذ العام 1632 يشغل كرسي الدراسات العربية في جامعة كامبردج البريطانية
البروفسور طريف الخالدي، الذي يشغل حالياً كرسي السير توماس آدمز للدراسات العربية في كلية الدراسات الشرقية في جامعة كامبردج، هو أول عربي يحتل هذا المنصب منذ تاريخ انشاء الكرسي في القرن السابع عشر، وتحديداً في سنة 1632، وهو أيضاً أول حامل جنسية عربية يشغل كرسي دراسات في جامعتي كامبردج واكسفورد، إذا استثنينا بعض الحالات حيث كان الاساتذة العرب يحملون الجنسية البريطانية نفسها. طريف الخالدي ولد في القدس سنة 1938 ولجأ إثر الحرب الأولى مع عائلته إلى بيروت سنة 1948، وهناك قضى معظم حياته متنقلاً بين بيروت وانكلترا حيث كانت دراسته الجامعية الأولى في اكسفورد، بينما كانت الثانوية في بيروت ثم انكلترا، وعاد إلى الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1960، وبقي فيها حتى سنة 1966 حين سافر إلى شيكاغو لدراسة الدكتوراه التي كانت عن المؤرخ المسعودي بهدف استكشاف رؤيته للتاريخ والعالم، وأنهاها سنة 1970، ثم عاد ثانية إلى الجامعة الأميركية ودرّس فيها حتى سنة 1996، حين انتقل إلى كامبردج. استمر شغفه بالتاريخ والاهتمام به وبنظرياته، وأحدث كتبه صدر سنة 1994 بالانكليزية معنوناً ب "فكرة التاريخ عند العرب"، وقد ترجم إلى العربية في بيروت العام الماضي. وكان قد صدر له عام 1985 نتيجة سنة تفرغ قضاها كأستاذ زائر في جامعة ميتشيغان كتاب بعنوان "الإسلام العربي الكلاسيكي"، وله كتابان بالعربية أحدهما مقالات مجموعة، والثاني عن التاريخ يقدم فكرة عامة وكان بعنوان "بحث في مفهوم التاريخ ومنهجه"، بالإضافة إلى كتاب آخر عن ملكية الأرض في الشرق الأوسط وهو خلاصة مؤتمر نظم في الجامعة الأميركية في بيروت وأشرف على تحريره، فضلاً عن مقالات نشرها في فصليات علمية وأكاديمية. في مكتبه في جامعة كامبردج المثبتة على بابه لائحة انيقة باسماء الاساتذة الذين شغلوا الكرسي منذ انشائه حتى اليوم، وتتوسط أحد جدرانه صورة للسير توماس آدمز مؤسس الكرسي، كان ل "الحياة" هذا اللقاء: كيف كان تعيينكم في هذا الموقع؟ - أشغل هذا الكرسي منذ تشرين الأول اكتوبر 1996 وفي الوقت نفسه أتولى إدارة مركز الدراسات الشرق الأوسط، والزمالة في كنغز كوليج. والواقع ان عملية التعيين في هذا الكرسي طويلة ومعقدة تمر عبر مراحل عدة، فأولاً هناك لجنة أوصياء على كل كرسي دراسات في جامعة كامبردج، وكذلك في الجامعات الأخرى، وقوام هذه اللجنة يتراوح بين عشرة واثني عشر عضواً وتلتئم في كل مرة يشغر فيها الكرسي، وتعلن عن ذلك عبر وسائل الاعلام العالمية وتستقبل الطلبات من المرشحين. كم كان عدد المتقدمين الذين تنافسوا على الكرسي في سنة 1966 عندما تم اختياركم؟ - في الواقع لا أملك أجابة دقيقة عن هذا السؤال، إذ لم أسأل عن ذلك. لكن تناهى إلى مسامعي أن العدد تراوح بين 20 و30 متقدماً. وكيف نشأ اهتمامكم بالتقدم لهذا المنصب؟ - تقدمي للمنصب جاء بدفع من بعض الأصدقاء في جامعة كمبردج نفسها، فأنا شخصياً لم أكن على علم مسبق بشغور الكرسي، ولم تكن لديّ أدنى فكرة للتقدم له، وكنت في غاية الارتياح في الجامعة الأميركية في بيروت التي لها مكانة خاصة في نفسي. وقد كنت آنذاك في حال نفسية محايدة، إذ كنت أعيش أوقات أكاديمية مريحة في بيروت، لذلك لم أكن لأشعر بمشاعر سلبية لو لم يتم اختياري هذا، فضلاً عن ان المبادرة بالتقديم جاءت عملياً بدفع من اصدقاء في الجامعة نفسها. ما الذي لفت انتباهكم في عملية التعيين، خصوصاً أن هذه الاجراءات تكون ذات تقاليد قديمة وأحياناً طريفة، فضلاً عن اعتماد المؤهلات والخبرات الأكاديمية؟ - مرّ التعيين بمراحل عدة أولها الاطلاع على ملفات المتقدمين وانتاجاتهم ثم اختصار عددهم إلى أربعة مرشحين كنت من بينهم، بعد ذلك أجريت مقابلة مطولة لكل مرشح من الأربعة مع لجنة مكونة من اثني عشر مقيماً أغلبهم من المستشرقين. وفي تلك المقابلة تنوعت الأسئلة وتباعدت بشكل مثير ومدهش، إذ سئلت عن اسم المدرسة الابتدائية التي درست فيها في القدس، وسئلت عن أدق التفاصيل في كتابي الأخير عن التاريخ عند العرب. وفي صباح اليوم التالي، كما تنص التقاليد، تقوم اللجنة بارسال الرسائل إلى المرشحين الذين لم يتم اختيارهم لاعلامهم بأنه لم يتم اختيارهم، بينما يتم الاتصال بالمرشح الذي تم تعيينه من قبل رئيس الجامعة ليعرض عليه المنصب. واتذكر أنه عندما اتصل بيّ قائلاً: لو عرضنا عليك هذا المنصب هل تقبله؟ أجبت بالقول: سوف أكون سعيداً وأشكركم على ذلك. لكنه كرر السؤال مرتين وطلب مني التلفظ بكلمة: نعم أقبل! ألا تحن إلى الجامعة الأميركية في بيروت وإلى أجوائها وأجواء الزملاء والأصدقاء والمدينة بعمومها؟ - عندي حنين كبير إليها فقد قضيت في بيروت جل حياتي، وأمضيت في الجامعة سنوات جميلة جداً منذ أوائل الستينات، لكني أشعر ان انشغالي هنا بدأ يأخذ من ذلك الحنين شيئاً، يتوازى معه تزايد انغماسي في الكلية والمركز وسوى ذلك من أعمال. ما هي انطباعاتك عن كامبردج؟ الجامعة والمدينة؟ - لست غريباً عن كامبردج واكسفورد، فقد درست في الأخيرة، وفي نظام الجامعتين مزايا واضحة ومهمة جداً، في المقابل نواقص ملفتة. من المزايا الأساسية قلة عدد الطلبة ما يتيح للاستاذ ايلاء الاهتمام بكل طالب ويوفر للطالب استفادة أكبر، خصوصاً في الموضوعات الكبرى. ونظام التعليم داخل الكلية مهم جداً حيث توجد فرص للتواصل بين الاستاذ وطلبته خارج نطاق المحاضرات الجامعية العامة. أما النواقص الكبرى في رأيي فهي عدم المرونة في انتقاء المواضيع، إذ هناك تحديد شديد في هذا المجال، فضلاً عن وجود مجموعة من القوانين القديمة تعود إلى القرون الوسطى، فمثلاً طلبة السنة الأولى والثانية لا يحق لهم استعارة الكتب من مكتبة الجامعة، كذلك ان الانتقال من موضوع إلى آخر أو الجمع بين موضوعين هو أمر صعب، على خلاف ما هو قائم في الجامعات الأميركية حيث يستطيع الطالب الجمع بين أكثر من موضوع في وقت واحد. ولفت انتباهي أيضاً ان التعليم الثانوي في بريطانيا انحصر نطاقه منذ كنت في ثانوية انكليزية في الخمسينات. وثمة ثغرات كبيرة في معلوماتهم العامة في الادب والحضارة، خصوصاً إذا ما تم تقويم ذلك بناء على مستويات الطلبة الذين نراهم في كامبردج والذين من المفترض ان يكونوا نخبة النخبة. هذا بشأن الدراسات الجامعية الأولى، لكن ماذا بشأن الدراسات العليا، إن لجهة مستوى وعمق البرامج المتوافرة في الأبحاث الشرقية، أو لجهة درجة الحرية الأكاديمية التي تتيح للطالب طرح ما يريد من أفكار وارتياد ما يشاء من آفاق؟ - أظن أنه في الامكان القول إن الطفل المدلل في اكسفورد وكامبردج هو طالب الدراسة الجامعية الأولى، أما موضوع طلبة الدراسات العليا في كلا الجامعتين فهو مبهم إلى حد ما وغير معروف الحدود تماماً. وجزء من هذا يعود إلى الخلفية التاريخية، حيث أنه لعهد قريب جداً كان ثلاثة أرباع مدرسي كامبردج واكسفورد من حملة البكالوريوس فقط، وهو أمر كان يدعو للفخر والادعاء بالشرف، فيما كان الربع الأخير من حملة الدكتوراه. لهذا فإن الاهتمام التاريخي كان على الدوام بطلبة البكالوريوس، وقد ارتبطت درجة الدكتوراه بانطباعات العهد الكولونيالي، حيث أنها كانت في نظر الاكاديميين البريطانيين تصلح للآسيويين والافارقة كي أجخذوها إلى بلادهم وهكذا. وقد استمر هذا الوضع إلى ما قبل ثلاثين سنة من الآن، وقد شاهدت ذلك بنفسي أيام دراستي للبكالوريوس في اكسفورد، حيث كان غالبية أساتذتي من حملة الدرجة الأولى، وهذا الأمر انعكس الآن وأصبحت الغالبية من حملة الدكتوراه. والخلاصة أن برامج الدراسات العليا ليست مترسخة ومنظمة كما حال دراسات البكالوريوس. كيف ترى مستوى تدريس الموضوعات ذات العلاقة بالعرب والشرق الأوسط والدراسات الشرقية عموماً في كامبردج واكسفورد، فهل هناك أي تمييز عن الجامعات الأخرى أم التمييز قادم من اسم الجامعتين وظلال العراقة المرافقة لهما؟ - مستويات دراسة وتدريس الحضارة العربية في الجامعات الغربية عموماً تعتمد اجمالاً على الأشخاص، فإذا انتقل استاذ أو اثنان من جامعة إلى أخرى نجد أن مستوى الجامعة الأولى يتعرض للاهتزاز، ومستوى الجامعة الثانية يرتفع. وهذا الأمر بالطبع لا يحدث في مجال الدراسات الكبرى الراسخة مثل الأدب الانكليزي أو التاريخ حيث يوجد عدد كبير جداً من المختصين ذوي الأهلية العالية، ولا يتأثر المستوى العام بغياب أو انتقال استاذ أو اثنين، وبذلك فإن التأرجح هو سمة برامج تدريس العربيات والاسلاميات والشرق أوسطيات. هل ما يستحق لفت الانتباه في مستوى الطلبة العرب الذين تراهم في برامج التدريس في كلية الدراسات الشرقية، أي هل هم في نطاق المعدل العام لأداء الطلبة الآخرين أم أقل أم أفضل أداءً؟ - لا أزعم أنني أملك جواباً شافياً وشاملاً بشأن كل الطلبة العرب. لكن يمكن أن أقول إنه من مشاهداتي ومقابلاتي مع الطلبة الذين أعرفهم، ومعظمهم من الجامعة الأميركية في بيروت، فهم يقولون لي عندما أسألهم كيف يرون الدراسة في الغرب؟ أنهم وجدوا أنفسهم مدربين تدريباً جيداً في مجال البحث، لكنهم لم يتعودوا على القراءات الكثيرة كما هو مطلوب هنا. لذلك فالصدمة الأساسية التي يشعر بها الطالب العربي هنا تبدو "صدمة القراءات المطلوبة وكثافتها" بينما ليست هناك مشكلة في التدريب، خصوصاً ان العديد من الطلبة العرب يتقنون ثلاث لغات وهذا يعطيهم ميزة للاطلاع على المصادر الأصلية في أدبيات ثلاث ثقافات مختلفة، تجعلهم كثيراً ما يتفوقون على زملائهم الانكليز أو حتى الأميركيين في الولاياتالمتحدة. ننتقل بالسؤال إلى بعض ما يتعلق بتخصصك الأكاديمي، وإلى نظرتك إلى المؤرخين الكبار، خصوصاً في ما يتعلق بما يصفه البعض من أن أعمال بعض أولئك المؤرخين، كالطبري، لا تخلو من التبريرية لما كان يحدث في التاريخ الإسلامي وخالية من الروح النقدية، بخلاف أعمال البلاذري التي كان فيها وضوح ودقة بشكل أكبر، لجهة حسم الروايات ونقدها، فما رأيك أنت، وكيف تنظر إلى طبقات المؤرخين، وأيهم أقرب إليك؟ - الحقيقة أشعر بقرب منهم جميعاً ويصعب عليّ تفضيل أحدهم على الآخر، إذ أن كلاً منهم أجاب عن أسلئة معينة وعاش زمناً مختلفاً، وواجه تجربة خاصة به، لذلك فإنه من الصعب عليّ أن أقول انني قريب من هذا المؤرخ أكثر من ذاك. والتاريخ، على وجه العموم وفي كل الحضارات، يخضع كثيراً للعلوم التي تحيط به، إذ نادراً ما تجد استنباط نظريات خاصة بالتاريخ نفسه. فمعظم نظريات التاريخ قادمة من خارجه، إما من العلوم الطبيعية وإما من اللاهوت أو علم الكلام أو الفلسفة أو الادب، والمؤرخون لا يولدون نظريات من لدنهم إلا في حالات قليلة جداً مثل توينبي وشبنغر، أما بقية المؤرخين في أكثر الحضارات فيعتمدون على العلوم المحيطة بهم في مجال التنظير. وهناك وجه من الصحة في ما تقول عن الطبري والبلاذري، فالبلاذري كان كاتباً من كتّاب الدولة العباسية وكانت عنده اهتمامات بالتاريخ الدقيق الموثق، وكان يحاول التوفيق بين عمله واهتمامه. وأنت عندما تقرأ البلاذري تشعر بأنك تقرأ تقارير مدققة ووصفية كالتي يكتبها كتّاب الدولة حقاً. أما الطبري فكانت اهتماماته أوسع بكثير من البلاذري. وهنا تكمن مشكلته حيث أراد أن يفهم تاريخ العالم كله ثم أن يفهم موضع الاسلام في إطار ذلك التاريخ، ومع انه شبه معاصر للبلاذري، إلا أنه امتلك نظرة مختلفة نوعاً ما لجهة تمحيص التاريخ ومغزى التاريخ وإلى حد ما كتابة التاريخ. غير أنهما في ما أظن كانا يؤمنان بأن التاريخ ليس شيئاً مما يتناوله العقل، بل هو نقل وتجميع روايات متعددة عن الحادثة التاريخية الواحدة. فالطبري مثلاً تشعر بأنه تراكمي لجهة تجميع الروايات، حيث يقدمها جميعاً للقارئ ويعتبر أن مهمة تمحيص الروايات أو أخذها أو ردها إنما يعود إلى القارئ، فيما تنحصر مهمة المؤرخ في نقل الروايات وتبويبها وتقديمها للمهتمين، والتاريخ هو ما وصلنا من السلف والمؤرخ ناقل له. ويعود هذا المنهج إلى أنه ليست ثمة وسيلة عقلية عند المؤرخ يمكنه استخدامها والحكم من خلالها على صحة رواية معينة وعدم صحة رواية أخرى، أما البلاذري فكان أكثر قطعاً وتمحيصاً للروايات، وعلى رغم انه هو الآخر يقدم روايات تراكمية حول الحادثة الواحدة. وكيف ينظر طريف الخالدي إلى ما انتجه هؤلاء وإلى مسيرة علم وفن التاريخ عند العرب والمسلمين، وتأثره بالعوامل والعلوم المحيطة؟ - حاولت أن أقول في كتاب "فكرة التاريخ عند العرب" إن كتابة التاريخ عندهم خضعت لتأثير ما اسميه قبباً معرفية تتغير بحسب مراحل زمنية وثقافية، وبتغيرها كان يتغير نمط التاريخ وينتهج أعمالاً متمازية بحسب المراحل الزمنية ومراحل القبب المعرفية. وحاولت في هذا العمل أن اصنف المؤرخين لا كسلسلة متتابعة من الأفراد، بل كمجموعات، تستمد كل مجموعة نظرتها للتاريخ من مجتمعها الثقافي المحيط بها إذا جاز التعبير. لكن، حول أثر العوامل والبيئة المحيطة على المؤرخ وما ينتجه، وبتذكر مقولة المؤرخ الانكليزي ادوارد كار من أنه قبل أن تدرس ما كتبه المؤرخ ادرس المؤرخ نفسه والبيئة التي أثرت فيه، ألا يقود ذلك إلى التشكك المطلق بكل ما نقرأه حيث أن موضوعية المؤرخ تصبح شبه مستحيلة إذ يقدم لنا رواية متأئرة بالمحيط الذي يعيش فيه والمعطيات التي تمكنه استكناهها؟ - هذه مسألة شائكة، ومردها صعوبة تعريف وتحديد الحادثة التاريخية، وهذا أمر نلمحه حتى في حياتنا اليومية، كل ما يحدث بعيداً عن ناظريك يقع في نطاق الروايات المتضاربة، وقد شهدنا هذا في الحرب اللبنانية بطريقة مدهشة، إذ أن الكثير جداً مما كان يحدث وفي مدى زمني قصير جداً، ربما قبل نصف ساعة فقط، يصبح موضع خلاف الرواية، فعندما تستعلم عما حدث تأتيك روايات مختلفة، بل ومتناقضة من مصادر عدة، وبذلك تضيع حقيقة ما حدث على وجه الدقة. إضافة إلى ذلك هناك الروايات التي تأتي من أطراف لعبت أدواراً في تشكيل الحدث، وهي روايات تكون منقولة من زاوية ذاتية مختلفة أيضاً، فينقل أحد الأطراف ان دوره كان كبيراً جداً في الحدث بينما يكون هذا الدور هامشياً في رواية منقولة عبر طرف آخر. وبذلك فإن هناك صعوبة ليس فقط في تحديد ما الذي حدث، بل وأيضاً في تقدير أهمية ما حدث، وليس هناك في نهاية الأمر شيء اسمه "حادثة" يمكن أن نعزلها عن "كيفية النظر" إلى هذه الحادثة، وهذا يقع في صلب عملية التاريخ، ولا يعلم صعوبة ذلك إلا من عاناها. وهل هذا يعني أنه لا مناص لنا من البقاء في مصيدة الروايات المتعددة المختلفة للحادثة التاريخية الواحدة؟ - المؤرخ دائماً أسير الروايات التي تصله واقصى ما يمكن أن يطمح إليه هو الاقتراب من شيء اسمه "هذا الذي حدث"، لكن، حتى "هذا الذي حدث" إنما هو شيء غير متماسك وحاد الوضوح، وأحياناً كثيرة أشعر بأنني في ملاحقتي لعناصر الحادثة التاريخية اطارد اشباحاً لكن هذا يجعل التاريخ تدريباً عقلياً ممتازاً. ختاماً، ما هي آخر كتاباتكم ومشروعاتكم الاكاديمية؟ - انهيت حديثاً كتاباً عن أقوال السيد المسيح في الأدب العربي، وهي أقوال اشتغلت على جمعها وترجمتها وتحليلها طيلة عشرين عاماً. والكتاب هو الآن في طريقه إلى النشر. يتضمن الأقوال بنصوصها وتعليقات عن كل منها، بالاضافة إلى مقدمة وافية وموسعة عن السيد المسيح العربي الإسلامي نحن في حاجة ماسة إلى إبرازها إلى العلن في هذه الأيام.