افريقيا يمكن تلخيصها اليوم بالآلاف من البشر الذين يهيمون على وجوههم فارين من الموت. المشهد الرواندي - البوروندي لأوائل التسعينات يعود ليكرر نفسه بفظاعة وتعميم، وهذا، بطبيعة الحال، معطوف على القهر السياسي والمجاعة والأمية والايدز، وهي كلها تفتك بالقارة السوداء. يكفي استرجاع نزاعين راهنين هما مَثلان غير حصريين على ما يجري: - في غرب القارة، هناك الحركة الانقلابية في سييراليون ضد الرئيس أحمد تيجان كباح والتي يبدو أنها توغل في وحشية ودموية تأخذان الأطفال في دربهما. وقد قدّر بالأمس ناشط إنساني بريطاني عدد الذين فروا من شرق سييراليون ب 150 ألف نسمة! - في جنوب القارة الغربي، تتجدد الحرب الأهلية في أحد أغنى بلدان القارة وأكبرها: أنغولا. وعلى رغم التسوية التي تم إقرارها في 1994، يبدو ان العداء المتبادل بين "يونيتا" وزعيمها جوناس سافيمبي وبين النظام القائم في لاوندا قادر على إطاحة كل التسويات. أما المتفائلون بقمة رؤساء افريقيا الشرقية التي رفعت المقاطعة عن بوروندي، فينبغي أن لا يفوتهم أن المواعيد التي كانت مقررة للدمج الاقتصادي تم تأجيلها. وأهم من ذلك ان القمة الأخيرة لن تنسي أحداً الحرب الصومالية ولا التوتر، الكامن والمعلن، بين اثيوبيا واريتريا. حتى التفاؤل بجنوب افريقيا يلوح مبالغاً فيه حين نتذكّر العلاقات غير الصحية التي لا تزال تربط البيض بالسود، بل أطراف المجتمع بعضها ببعض، على ما دلت مجزرة جوهانسبورغ الأخيرة. والراهن أن تقاعد نيلسون مانديلا أو رحيله سيضعان البلد أمام احتمالات خطيرة، فعلاً، لا سيما في ظل إصرار البيض على الامتيازات القديمة كلها، وإصرار السود على تسريع التحولات في بلد هش. وهذا كله من دون ان ننسى أن قلب القارة ليس على ما يرام. فلا حكم كابيلا يبعث على الاطمئنان، ولا اشارات العنف في جمهورية الكونغو التي يتبادلها الرئيس نغويسّو وزعيم المعارضة المنفي برنارد كوليلاس. وفي موازاة الترابط السكاني الذي يهدد بأقلمة أي حرب، على ما رأينا في رواندا وبورونديوالكونغو، هناك التداخل السياسي الذي يجعل الحكم الأنغولي يتهم زامبيا بدعم المتمردين عليه، فيما يتهم الكونغوليون الحكم الانغولي بدعم المتمردين على نظامهم. افريقيا لا تزال أبطأ العالم في دخول القرن المقبل، وأكثر أجزائه مدعاة للقلق وتطلباً للمبادرات السياسي منها والاقتصادي. وليس بلا دلالة ان القارة السوداء كانت ولا تزال أوضح مرايا الفوضى الجديدة التي دبت بعد تراجع الوعود والاحتمالات الديموقراطية على أثر انتهاء الحرب الباردة.