لا يزال الفنان التشكيلي المفضل لدى البريطانيين هو جون كونستابل، الرسام الذي اشتهر برسم المناظر الطبيعية. غرابة النتيجة تأتي من أن كونستابل توفي قبل مائة وستين سنة، مرّت خلالها على بريطانيا تيارات وصرعات فنية متعددة. بهذه النتيجة حسم البريطانيون مفهومهم حول ماهية الفن العظيم، بعد أن رفضت ذائقتهم الفنية عمل معاصر مثل "الخروف الشارد عن القطيع"، العمل الفائز بجائزة تيرنر الفنية للعام 1995، وهو خروف محفوظ بالمحلول، أطلقت عليه إحدى الصحف البريطانية تسمية "الخروف المخلل"، وهو لفنان شاب يدعى داميان هيرست. هذا ما تقوله نتائج استطلاع أعدته مؤسسة موري لصالح برنامج "كلوز أب"، البرنامج التلفزيوني الذي تبثه قناة البي بي سي، ويعنى بالفنون التشكيلية. لقد انحاز غالبية عينة الاستطلاع للكلاسيكية، وليس لآخر الصرعات التي يقودها "تيت غاليري"، متحف الفنون الذي يمنح جائزة سنوية للفن التشكيلي بإسم جائزة تيرنر. انه الشعب البريطاني الذي يقدس التقاليد، ولا يضحي بها بسهولة من أجل منجزات العصر. وما احتفاظهم بالمؤسسة الملكية، مع تمسكهم بالنظام الديموقراطي إلا دليل على ذلك. شمل استطلاع الرأي أكثر من ثمانمائة شخص، يمثلون شرائح عمرية وطبقية مختلفة. لقد صوّت واحد وأربعون في المئة لصالح كونستابل، كأكثر الفنانين التشكيليين تفضيلاً لديهم، إضافة لبعض الفنانين المعاصرين، أمثال ديفيد هوكني، وآندي ورهول رائد فن البوب في بريطانيا، وكلاهما حصلا على عشرة في المئة من الاستطلاع. في المقابل حصل هيرست على اثنين في المئة فقط، وذكر سبعون في المئة من العينة، أنه لا توجد لديهم أية قناعة واضحة حول عمله. علق مايكل بول، معد برنامج كلوز أب، المعروف بمساهمته في مساندة أعمال الشباب أمثال هيرست، علق على نتائج الاستطلاع بقوله: انها تقدم لنا معلومات حول الفئات المتعاملة مع الفن، أكثر مما تقول عن توجهات الذائقة التشكيلية. إلا أن المعلومات التي وفرها الاستطلاع تترك مساحة ضيقة للشك حول أفضليات البريطانيين. فقد أعطيت العينة المختارة قائمة بأسماء تسعة فنانين، وسئلوا ان كانت أعمال هؤلاء تعني لهم شيئاً؟... بعد كونستابل، جاء كلود مونيه 34 في المئة، فانسنت فان جوخ 31 في المئة، بابلو بيكاسو 16 في المئة، سلفادور دالي 11 في المئة، ورهول 6 في المئة، هوكني 6 في المئة، وأخيراً هيرست 2 في المئة. وبقراءة نتائج الاستطلاع، يتبين أن غالبية المهتمين بالفنان الفرنسي مونيه هم من النساء، اضافة للطبقة المتوسطة، ولمن هم فوق الخامسة والخمسين من العمر. أما بيكاسو ودالي وورهول، فمعجبيهم ينتمون الى الفئة العمرية الأقل من خمس وثلاثين، خصوصاً بين الذكور من الطبقة المتوسطة. بينما حصل هيرست على غالبية المؤيدين من سكان لندن، الذين كانوا أكثر حظاً في مشاهدة عمله المذكور. وعندما يصل السؤال الى مكونات اللوحة، فإن اللوحات الزيتية الخاصة بالمشاهد الخارجية، كانت المفضلة لدى ثمانين في المئة من العينة. وانعكس الانتماء الجغرافي على الأساليب المفضلة، فثلاث وستين في المئة من ذوي الأصول الويلزية يفضلون اللوحات ذات السطح الناعم، ويوافقهم في التوجه ثلاثون في المئة من أهالي ويست ميدلاندز الإنكليز. أما ما يخص حجم الأعمال الفنية، فيفضل واحد وخمسون من سكان يورك شاير الإنكليز، أن تكون اللوحات بأحجام كبيرة، واتفق معهم في الرأي خمسة في المئة فقط من سكان ويلز، وأربعة عشر في المئة من سكان اسكتلندا. الأزرق، ظهر في العينة كأحد الألوان الأكثر شعبية لدى الشعب البريطاني، إذ ذكر ثلثا العينة أنه لونهم المفضل. ومن بين النتائج التي توصل اليه استطلاع البي بي سي، وجود فوارق في الجنس والطبقة الاجتماعية، في الاستجابة للفنون التشكيلية. فالطبقة المتوسطة تفضل التصميمات الجريئة المجردة، ذات الزوايا الحادة، وتلك التي تعتمد على الأشكال الهندسية. بينما عبرت فئة الطبقة العاملة، عن تفضيلها للتصميمات غير المعقدة، ذات الانحناءات الناعمة. وكان الرجال، أكثر من النساء انسجاماً مع الظلال القاتمة، بينما تميل النساء عموماً للألوان الفاتحة أو الباهتة. أربعة من كل خمسة أشخاص استجوبوا في الاستطلاع، ذكروا أنهم يزورون المعارض والمتاحف الفنية. الرجال والطبقة المتوسطة، والأفراد الذين يعيشون في لندن بشكل عام، هم الأكثر نشاطاً في زيارة تلك الأماكن. ويدعم ثلاثة من كل خمسة، ضرورة تمويل الحكومة للفنون التشكيلية. يذكر ان استطلاع برنامج "كلوز أب"، سيعتمد عليه كل من الفنان الروسي فيتالي كومر، والأميركي الكسندر ميلاميد لإبداع عمل زيتي مشترك، يلخص مجمل الذائقة الفنية للبريطانيين. إنها تجربة مثيرة، ينتظر المرء نتائجها بفارغ الصبر. كيف ستكون اللوحة؟... وهل سيتفق البريطانيون عليها بعد كل هذا الاختلاف؟