قيل ان "الحاجة ام الاختراع"، لذلك فان طلاب كليتي الآداب والطب في جامعة دمشق وجدوا الحل الامثل لمشكلة تغيبهم عن المحاضرات بشرائها من المكتبات الموجودة مقابل الحرم الجامعي وفي النفق الذي يصل الجامعة بالمدينة الجامعية. وبالتالي فان اصحاب هذه المحال وجدوا باب رزق جديداً ومضموناً. اما الطريقة فهي ان يقوم عدد من الطلاب بكتابة المحاضرات خلال القاء الاستاذ للمادة ومقارنة النصوص مع بعضها للوصول الى النص الخالي من الاخطاء، ثم القيام بطباعته وبيعه للمكتبة التي تقوم بتصوير هذه النصوص آلاف النسخ وبيعها. بهذه الطريقة يحصل الطلاب على المحاضرات والملخصات لتعويض غيابهم عن احدى المحاضرات او تسهيل دراسة المادة المطلوبة. ودرجت هذه العادة منذ بداية التسعينات وصارت تجارة تدر على اصحابها مبالغ كبيرة من المال. وقام "التجار" بتزويد الطلاب المتعاونين معهم بآلات حساسة لتسجيل المحاضرات ومن ثم تفريغها على الورق وطباعتها ونسخها وبيعها بمبالغ كبيرة، اضافة الى بدعة اخرى حيث يستطيع الطالب الموجود خارج البلاد الاشتراك مع احدى هذه المكتبات فتقوم بارسال نصوص المحاضرات بالبريد لقاء مبلغ معين اضافة الى تلخيص الكتب المطلوبة في الاقسام وترجمتها. لكن "دوام الحال من المحال"، اذ ان الامر انكشف في الفترة الاخيرة، فقامت الجامعة بمنع ادخال الآت التسجيل الى قاعات الدرس، وتخوف اصحاب هذه المحال من الاغلاق فتوفقوا عن بيع الملخصات التي تخالف قوانين الجامعة، ذلك ان القيام بهذا العمل يحتاج الى موافقة استاذ المادة اولا ثم الحصول على اذن من الوكيل الاداري للقسم. وأمام هذه الحال انقسم طلاب الآداب والطب حول الامر بشكل ملفت. فبعض الطلاب منزعج من توقف هذه "النوتات"، خصوصاً الطلاب الذين تمنعهم ظروفهم من المواظبة على الدوام، فيما يرى آخرون في الامر "استغلالا فاحشا". وقال احد طلاب السنة الاخيرة في كلية الاداب: "هناك اخطاء علمية كبيرة جدا يميزها طالب السنة الثالثة او الرابعة اما طالب السنة الاولى فهو غافل عنها، الامر الذي يربكه في الامتحانات لأنه يكتب ما اطلع عليه في الملخص من دون ان يعرف ان كان صحيحاً او لا. ودليل ذلك كثرة احتجاجات الطلاب على اساتذتهم عندما يرسبون في الامتحانات". غير ان طالبة من كلية الطب قالت: "ان نصوص المحاضرات ساعدتني كثيرا خلال سنوات دراستي فمن غير الممكن لطالب واحد ان يستطيع كتابة ما يقوله المحاضر حرفياً، اضافة الى الرسوم التوضيحية التي يقوم برسمها الاستاذ على السبورة، وكنا نستعين بالنوتات الموجودة عند اصحاب المكتبات لتصحيح النوتات التي ننقلها في المحاضرة فالامر ليس بالسوء الذي يحاول البعض تصويره". ويرى اصحاب الرأي المخالف: "انها ازمة حقيقية، اذ ان اصحاب المكتبات يستغلون الطالب مادياً ببيعه محاضرات جامعية بأسعار خيالية لا يستطيع الطلاب ذوو الدخل المتوسط تحملها". وقال احدهم ان "الاوراق مكتوبة بخط كبير مع اضافة معلومات ليس لها داع وصور لا تتعلق بالمضمون، وبالتالي يزداد عدد الاوراق وتزدادالكلفة المادية". وتبلغ سعر الصفحة الواحدة ليرة وربع الليرة والنوتة تحتوي وسطيا على 15 ورقة وتغطي محاضرة واحدة، وتحتاج المادة غالبا الى 40 نوتة وبهذا تكون كلفة محاضرات مادة واحدة للفصل الدراسي حوالي 500 ليرة، اي نحو عشرة دولارات اميركية. لكن احدى الطالبات اشارت الى انها سافرت مع اهلها الى احدى الدول العربية وهي مطمئنة بأن كل المحاضرات ستصلها عن طريق اشتراكها في احدى المكتبات: "لكن المفاجأة عندما وصلتني المحاضرات من دون ان افهم منها شيئاً فاضطررت للعودة الى سورية للبحث عن استاذ استدرك معه ما فات من محاضرات خلال الفصل الدراسي"، وترد عليها احدى طالبات كلية الصيدلة: "هذا امر ممكن، لكن لا يمكن تعميمه على كل المكتبات التي تقدم هذه الخدمات، فانا اعمل اضافة الى الدراسة، وقد ساعدني اشتراكي مع المكتبات في استدراك ما يضيع علي من المحاضرات خلال فترات عملي". وزادت اخرى: "ليست هناك ضرورة لمنعها فهي اذا لم تنفع فلن تضر الطالب". ويجمع اساتذة الجامعة على ضرورة القضاء على هذه الظاهرة لپ"خطورتها" على الطالب الجامعي. وقال احد اساتذة كلية الآداب: "هذه المحاضرات تعوّد الطالب على اهمال الدوام في الكلية، على رغم اهمية حضوره حتى لو لم يشارك في المحاضرة، المهم ان يسمع خصوصاً في قسم اللغات". وأضاف آخر: "اذا كان لا بد من هذا الامر فيجب ان يتم بالتعاون مع مكتب الخدمات الطلابية وبالتنسيق مع الاساتذة المحاضرين ورؤساء الاقسام بحيث لا تصدر النوتات الا بعد موافقة استاذ المادة". ولانهاء هذه الظاهر اقترح آخر: "قلب المعادلة المعمول بها حالياً وهي الاعتماد على الكتاب الجامعي الموحد واستبداله بالمراجع المختلفة والدراسات والابحاث بحيث تكون نسبتها 80 في المئة واعطاء الكتاب نسبة 20 في المئة فقط"، وأضاف آخر: "هذا الموضوع اقل خطورة من بيع هذه المكتبات لابحاث علمية جاهزة من المفروض ان يقوم الطالب بإعدادها". يذكر ان بيع حلقات البحث يتم بصورة "سرية للغاية" عكس نوتات المحاضرات وهي تقتصر على الفروع النظرية في كلية الآداب، ويؤدي اكتشاف استاذ المادة للموضوع الى رسوب الطالب. وقال احدهم: "اشتريت حلقة بحث من احدى المكتبات قدمتها لاستاذ المادة غير انه اكتشف الامر ذلك ان احد الطلاب قدم المادة نفسها مع تعديلات بسيطة وكان اشتراها من نفس المكتبة، وافتضح امرنا"، واشار احد اساتذة كلية الآداب الى "ضرورة الاهتمام بهذا الامر بصورة جدية اكثر، اذ ان محال النفق ليست لديها رخصة مكتبة تمنحها حق بيع القرطاسية، فكيف يقومون ببيع مواد علمية قد تشكل خطراً على مستقبل الطلاب؟". وكانت المحافظة طلبت من المحلات التجارية الموجودة في نفق الاداب المقابل لكلية الاداب والطب جامعة دمشق ضرورة الحصول على رخص تخولهم بتحويل محالهم التجارية الى مكتبات، غير ان اكثرهم لم يتقيد بذلك وهم يبيعون جميع اللوازم المكتبية. ويرى احد الطلاب ان على الجامعة عدم التدخل في الامر لان "الموضوع يتم خارج الحرم الجامعي وهو اولاً وأخيراً يخص الطالب وهو قادر على معرفة ما يضره وما ينفعه". واتهم آخر بعض الاساتذة بتقديم "النوتات الى المكتبات بشكل سري".