الكتاب: تاريخ سورية السياسي 3000 - 300ق.م. المؤلف: هورست كلينفل المترجم: سيف الدين دياب الناشر: دار المتنبي - دمشق 1998 لعل قراءة عناوين الكتب التاريخية الصادرة في سورية خلال السنتين الاخيرتين، تعكس توجهاً الى تأليف وترجمة الكتب المتعلقة بتاريخ سورية القديم. ويكتسب بعض الكتب اهمية خاصة باعتبار المؤلفين ممن اشرفوا او أسهموا على عمليات التنقيب الاثرية في غير موقع، واستفادوا من اللقى الاثرية في التعرف على ماضي المنطقة، ورسم صورة واضحة عنه. ويعتبر الباحث الالماني هورست كلينفل من ابرز من تناول تاريخ سورية في مؤلفات عدة، كان آخرها هذا الكتاب الذي يتناول فيه الجانب السياسي من حياة الممالك السورية منذ ظهور اول دولة فيها، وحتى احتلال الاسكندر الكبير المقدوني للأرض السورية. ويعتمد كلينفل في كتابه منهجاً علمياً يقوم على تحليل النصوص القديمة الواصلة اليه على رقم طينية وآجر او حجر …الخ مكتشفة في بعض المواقع الاثرية في سورية، ويوسع مصادره لتشمل لقى مصرية ورافدية اضافة للتوراة. ويحدد من خلال هذه المراجع ملامح علاقات سورية الخارجية مع مصر وبلاد آشور وبابل وبلاد الحثيين ومملكة حوري وميتاني. ويولي الباحث اهمية كبرى لمصادره فيدخلها ضمن سياق الكتاب ويفرد صفحات خاصة لمناقشة المصادر المتوافرة، في بداية كل فصل من فصول كتابه الاربعة المرتبة زمنياً، بدءاً من العصر البرونزي الباكر الالف الثالث ق.م. اذ تشير مكتشفات ايبلا شمال سورية الى علاقات سورية مع بلاد الرافدين ومصر، وتظهر اهتمامات ايبلا الحيوية في مناطق ما بعد الفرات على مسار الطريق التجارية القادمة من بلاد الرافدين. وبعد سقوط ايبلا وتحطم محفوظات القصر الملكي، بدأت تظهر مصادر جديدة للمعلومات حول حملات عسكرية وجهت نحو سورية، نتيجة توسع دولة أكاد فأصبحت حملات ملوك بلاد الرافدين الى سورية جزءاً من تقاليد استمرت في اذهان الناس لقرون عدة، وبقى بعض المدن السورية ، مثل اورشو وايبلا وجبيل، على رغم الفتوحات الرافدية، وبرهنت الدلائل الاثرية ان "قطنة" كانت المكان المركزي في سهل حمص، بينما كانت "جبيل" مكان شحن البضائع من سورية الى مصر وبالعكس. استولى الاموريون على السلطة السياسية في مدن سورية عدة مع بداية الالف الثاني قبل الميلاد، ونتيجة سيطرتهم لم توجد مصادر مكتوبة عن سورية، ولكن في العام 1968 اكتشف المنقبون في ايبلا نصاً منقوشاً على تمثال عشتار ولوحاً آخر من اوغاريت يتضمنان اسماء ملوك مؤلهين، وفي مصر هناك نصّان ادبيان من الالف الثاني قبل الميلاد، وايضاً ثمة نقوش هيروغليفية تذكر اسماء اشخاص واماكن وجماعات قبلية يحتمل انها من اعداء مصر في سورية. كما عُثر على تماثيل مصرية في اماكن مختلفة من سورية جبيل، اوغاريت، ايبلا، قطنة…. وحوالى 1800 ق.م. بدأ الحديث عن كريت وقبرص يظهر في الكتابات المسمارية، ويؤكد الفخار النموذجي من العصر المينوي الوسيط المعروف بفخار kamares العلاقات بين العالم الايجي والمشرق، وربما كسبت اوغاريت اهمية متزايدة في هذه التجارة ونتج عن التطور المدني والازدهار الاقتصادي للمدينة تنظيم الدولة للمجتمع واقامة سلالة محلية حاكمة خلال القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وبقيت حلب اقوى قوة في سورية حتى احتلها مورشيلي الاول ملك الحثيين بعد العام 1650 ق.م وتشير مصادر حثية وأكادية الى ان اسباب الغزو الحثي هي: "الوضع في الاناضول، اي ظهور الدولة خاتي وحاجة الحكم الملكي الى التعزيز والترسيخ عن طريق نجاحات عسكرية خارجية، كما ان الهيبة والغنائم يمكن ان تساعد في تقوية مركز السلالة الحاكمة بالنسبة الى السكان في الاناضول وللقوى الاجنبية وهناك ايضاً الطبيعة الغنية لسهول شمال سورية المتطورة جداً، وغنى المراكز السياسية والاقتصادية في هذه المنطقة اضافة للطرق التجارية العابرة لسورية التي تربط بلاد الرافدين وايران مع المشرق ومصر والعالم الايجي". مع بداية القرن السادس عشر قبل الميلاد انسحبت القوات الحثية من سورية، فساد نوع من "الفراغ السياسي" في شمال البلاد، ساعد هذا في توسع القوة السياسية الجديدة حوري - ميتاني في اعالي الرافدين، ولا توجد حتى الآن مصادر مكتوبة عن اساليب ومراحل نجاح ميتاني بكسب السيطرة على شمال سورية. واثناء حكم حوري - ميتاني بدأ فراعنة الاسرة الثامنة عشرة الاوائل في مصر بالتغلغل في سورية ووطدوا حكمهم في الاجزاء الجنوبية والساحلية منها. ثم استؤنفت الحملات المصرية بعد حكم الملكة حتشبوت فواجه الجيش المصري فرقاً ميتانية كانت وطدت نفسها شمال سورية اثناء خمود النشاطات المصرية، وعندما اتجه تحوتمس الثالث 1479 - 1425 ق.م الى سورية، واجه تحالف حكام سوريين وفلسطينيين 330 حاكماً بقيادة ملك قيدشو قادش الواقعة على العاصي، وانتصر تحوتمس في معركة مجدّو بعد قتال طويل، وربما خسائر اقنعته بعدم التقدم في سورية. وبدأت خلال عهد امنحوتب الثاني 1428 - 7139 ق.م ابن تحوتمس المصالحة بين مصر ومملكة ميتاني، وقامت علاقات سلمية بين الطرفين. ويقول المؤلف ان افضل الشواهد على منطقة النفوذ المصري كانت في رسائل تل العمارنة منتصف القرن 14 ق.م. وفي ما يتعلق بمنطقة النفوذ الميتاني تظهر نصوص ألالاخ من الطبقة الرابعة ان اخضاع الامارات السورية كان يتم بتأدية الحاكم يمين الولاء لسيده الميتاني، اذ كان يسمح للحكام السوريين باقامة علاقات خارجية خاصة، بشرط عدم تناقضها مع يمين الولاء، فالملك الحوري - الميتاني هو السلطة العليا التي تبت بقضايا الامارات. يتحدث كلينفل في الفصل الرابع عن التغييرات السياسية في سورية في عصر الحديد بداً من 1200 ق.م وحتى 330 ق.م، اذ حدثت تغييرات عرقية نتيجة هجرة الجماعات الآرامية وتطور نظام جديد للكتابة السامية المستقيمة واستخدمت مواد قابلة للتلف جلود، بردي ما ادى لضياع الارشيفات السورية، لكن بقي بعض النقوش المحفورة على الاحجار والفخار والمعادن، في مصر وبلاد اشور تدل على توصع الآراميين في المدن السورية، ونشوء ممالك لهم داخل سورية مثل مملكة أرام صوبا على مجرى العاصي، ثم آرام دمشق التي اصبحت القوة الآرامية القائدة في سورية الى ان احتلها تغلات بيلاصر الثالث العام 732 ق.م. وتوالت حملات الملوك الآشوريين على سورية خصوصاً آشور ناصر بال الثاني وشلمنصر الثالث 857 ق.م واصبحت سورية بكاملها في قبضة الآشوريين رسمياً، لكنها بقيت كياناً قائماً بذاته. ومع عهد تغلات بيلاصر الثالث 724 - 727 ق.م تغيرت علاقات السلطة المركزية الآشورية وسورية فاستبدلت الحملات الموسمية بسياسة الفتح الكامل للمناطق ودمجها في الامبراطورية الآشورية كمقاطعات يحكمها موظفون آشوريون. وخلال السنوات الاخيرة من عهد آشور بانيبال 6968 - 627 ق.م ضعف الحكم الآشوري، ما شجع مصر على التدخل في فلسطين وسورية. وفي خريف العام 333 ق.م. بدأ احتلال الاسكندر الكبير لسورية وبدأت معه مراحل سياسية جديدة لا يبحثها هذا الكتاب.