فرنسا تسائل مثقفيها، الأدباء منهم وعلماء الاجتماع، الراحلين والأموات. قبل أيام وضعت علامات استفهام كثيرة حول حياة الروائية مارغريت دوراس التي توفيت قبل سنوات قليلة. "الفضيحة" التي نبّه إليها كتاب المؤرخة والصحافة لور أدلر من النوع الميتراني، أي أنها تطول علاقتها بالعهد الفيشي ولكنْ أيضاً بحالة تعذيب محددة حصلت بعد التحرير. وأبعد من هذا، تطرح التساؤل: إلى أي حدّ كانت دوراس، في "الألم" و"العشيق"، تكتب سيرتها الذاتية زاعمة ان ما تكتبه مجرد... رواية؟ "الكذابة المحترفة" كما أسماها بعض الصحافة الفرنسية هي الآن موضع جدل أثاره كتاب السيرة التي وصفتها "لوموند" ب "الصلبة والموثقة والمؤثرة" عن غاليمار، والتي هي نتاج عمل دؤوب على الارشيفات وصناديق متروكات دوراس الكثيرة، فضلاً عن المقابلات والجهد البحثي. البطل الآخر في مسلسل المساءلات والمراجعات هو عالم الاجتماع بيار بورديو. المناسبة ليست إصداره "السيطرة الذكرية"، بل إصدار جانين فيرديس لو رو، التي كانت تلميذته مرة، كتاب "العالِم والسياسة: مقالة في الارهاب السوسيولوجي" عن دار غراسيه. بورديو هو المتهم بالارهاب هذا لعجرفته الثقافية، وميله الكاسح إلى تخريب المعرفة، واستقوائه بموقعه الاكاديمي انطلاقاً من "الكوليج دو فرانس". فإذا شاء عالم الاجتماع اليساري جداً أن يحتل المكانة التي تركها رحيل جان بول سارتر، فإن الفارق يبقى عظيماً بين الاثنين: الثاني مثقف كبير واجه كل السلطات انطلاقاً من عمله الضخم الفلسفي والأدبي الذي أخلى مكاناً كبيراً للذاتي والإنساني. والأول أكاديمي وعلموي يستنتج صواب موقفه العلمي من صواب موقفه السياسي، كما لو اننا لا نزال أسرى النظريات القديمة عن وحدة العلوم التي سبق أن عُنّف عليها فريدريك أنغلز! الجدير بالذكر ان بورديو الذي بدأ حياته الثقافية ناقداً لبنيوية كلود ليفي ستراوس، ومهاجماً ل "الثقافية"، ومتصدياً للحياة الاكاديمية ونخبها من خلال كتابه "الإنسان الأكاديمي، نبالة الدولة"، تركزت عليه أضواء اعلامية كثيرة بسبب تصديه للنيوليبرالية ول... الاعلام. وفيما يرى مؤيدوه ان الهجوم عليه لا ينفصل عن مواقفه هذه، يؤكد نقاده ان علم اجتماعه هو عودة إلى "علم اجتماع المعدة"، بالمعنى الذي استخدم فيه "أدب المعدة" للسخرية من "الأدب الملتزم" في الستينات.