الكتاب: المرأة والعمل السياسي : رؤية إسلامية المؤلف: هبة رؤوف عزت الناشر: المعهد العالمي للفكر الاسلامي - القاهرة 1998 تمثل قضية المرأة سؤالاً كبيراً يطرحه النموذج المعرفي الغربي على الانساق الثقافية الموجودة في العالم اليوم، وفي مقدمتها النسق الإسلامي، في محاولة لإحراج هذه الانساق ودفعها الى الاحساس بالدونية تجاهه، والاستعداد للتنازل عن خصوصياتها. يعالج هذا الكتاب قضية المرأة باعتبارها موضوع الساعة في الصراع الفكري بين الغرب والنسق الاسلامي، ولم تتحدث المؤلفة في الموضوعات التقليدية كالتعليم والعمل والمساواة..، ولكنها قفزت الى قمة الموضوع وهو العمل السياسي للمرأة. خصصت المؤلفة الفصل الاول للإطار المعرفي للدراسة، ومن خلاله ميّزت بين الرؤية الوضعية من ناحية والرؤية الاسلامية من ناحية اخرى. وتحدثت عن بعض المفاهيم الاسلامية التي تحدد الاطار المعرفي للدراسة، ومنها مفهوماً التوحيد والاستخلاف، ورأت ان الاستخلاف هو الاساس الذي يقوم عليه توحيد المرأة والرجل معا في ظل علاقة الولاية: اذ تحكم الحياة العامة بين الرجال والنساء الرابطة الإيمانية في إطار الامة، المساواة هي الاصل بين الاثنين من منطلق الحديث الشريف "النساء شقائق الرجال"، ومن ثم يتساوى الجنسان في القيمة الانسانية والحقوق والواجبات والمسؤولية والجزاء. واذا كانت الشريعة الاسلامية خصت المرأة ببعض الاحكام فإن هذا يعني استثناء يرد على قاعدة المساواة التي تضبط علاقتهما. وتنتقل بعد ذلك الباحثة للتحدث عن السنن، فتعرفها بأنها مجموع القوانين التي سنها الله في الآفاق والأنفس، وتنقسم الى السنة الكونية الحاكمة للكون ومخلوقاته، وسنن الفطرة التي تحكم الانسان وتضبط الاجتماع الانساني وحركة المجتمعات. وإذا كان ثمة سبيل لخروج الامة من عثرتها وانحسارها الحضاري، فإن الباحثة ترى ان هذا السبيل يمر عبر إدراك هذه السنن الحاكمة لأية قضية من قضاياها ومنها قضية المرأة، التي يستلزم التعامل معها الجمع بين الفقه والتطبيق للسنن التشريعية الإلهية والسنن الاجتماعية والتاريخية، وهو ما يقتضي رد النصوص الشرعية لمقاصد الشريعة المبنية على الفطرة ويعصم من الفهم الجزئي للنصوص، ويستفيد من تجارب الامم الاخرى. وعرضت الباحثة في هذا الفصل ايضاً لمجموعة من المفاهيم التحليلية التي استخدمتها في الدراسة. وخصصت الباحثة الفصل الثاني لدراسة حركة المرأة السياسة في دائرة الامة، موضحة محددات هذه الحركة. فالاهلية السياسية تعرفها الباحثة بأنها الصلاحية، وهي شرط لصحة التكليف بالواجبات الشرعية التي يندرج تحتها العمل السياسي. وتذهب الدراسة في هذا الصدد الى اهلية المرأة لممارسة الانشطة السياسية في المجتمع الاسلامي. ففي الوقت الذي أقر الفقهاء بأهلية المرأة الذاتية والمتعدية، فإن معظمهم تحفظ على اهليتها لممارسة العمل السياسي بمستوياته المختلفة. الا ان الباحثة ترى ان الفقهاء لم يفرقوا بين المستويات المختلفة للاهلية السياسية، وهي الاهلية العامة في الواجبات العينية، والاهلية العامة في الواجبات الكفائية، والاهلية الخاصة. وترد الباحثة على اختلاف الفقهاء بأن قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم لإجارة المرأة هو احد الادلة على الاهلية السياسية، اذ اجارت المرأة على عهده الكافر في دار الاسلام. ودرست الباحثة الوعي الثقافي لدى المرأة واهتمامها بالشؤون العامة على المستوى اللازم لفهم السلوك السياسي، وهي ترى ان الوعي ابرز محددات المشاركة السياسية لدى المرأة وبناء هذا الوعي يرتبط بالمسجد، محور المجتمع الاسلامي، بالاضافة الى غيره من المؤسسات المرتبطة بالوظائف الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ايضا. وأكدت الدراسة الارتباط بين مشاركة المرأة في العمل السياسي والسياق الاجتماعي الذي توجد فيه. ففي حين تركز الدور الرئيسي للمرأة في مكة على الاسرة، اتسمت المرأة في المدينةالمنورة بالنشاط والفاعلية السياسية والاجتماعية. وترى الباحثة ان حركة المرأة ودورها في إحداث التغيير الاجتماعي يحتاجان الى دعم، واجتهاد فقهي يساندها في الترجيح بين الآراء الفقهية المختلفة. وهنا تنبه الباحثة الى ضرورة التمييز بين الاصول والتراث الفقهي، لجهة ان الاخير ليس الا انجازاً إنسانياً له شروطه الاجتماعية والثقافية والتاريخية، في حين ان الاصول ثابتة تحفظ للمنظومة المعرفية الإسلامية استقرارها واستمرارها وإن اختلفت الاجتهادات باختلاف الزمن. وتنطلق الدراسة في معالجة مجالات عمل المرأة المسلمة ومجالات حركتها من القول بأن عمل المرأة السياسي هو تكليف شرعي وامانة في التصور الاسلامي، وهذا ما يميزه عن التصور الغربي لعمل المرأة السياسي كحق تطالب به، وهدف تسعى اليه ومكانة اجتماعية تتطلع للحصول عليها، وهو التصور الذي يجعل التصويت في الانتخابات ابرز مؤشرات قياس المشاركة السياسية للمرأة، رغم كونه لا يعبر بالضرورة عن اختيار الفرد ووعيه السياسي، اذ يتم توظيف هذا التصويت للتأثير على صنع القرار لتحقيق تفاعل مصالح الفئات الاجتماعية ومن بينها مصالح النساء. اما الرؤية الاسلامية فتجعل المصلحة الشرعية مناط الحركة السياسية، ولذا فإن العمل السياسي يدور مع الشريعة واحكامها ومصلحة الامة وتلك هي اهداف البيعة والولايات والشورى، كما يصبح الحياد عنها مبرراً للخروج على نظام الحكم الذي يتخلى عن الاحتكام للمثالية الإسلامية. وتولي الدراسة البيعة اهمية كبيرة باعتبارها، في الرؤية الاسلامية، هي التي تضفي الشرعية على نظام الحكم، بل هي اساس المجتمع السياسي الاسلامي واداة اعلانه التزامه، والشريعة. وتؤكد ان بيعة النساء لا تعني اختصاص هؤلاء بها، اذ بايع الرسول صلى الله عيله وسلم الرجال على شروطها نفسها قبل الهجرة. وتبني الباحثة تأكيدها مناقشة الاسس التي ذهبت اليها بعض الكتابات في التفرقة بين بيعة النساء وبيعة الرجال متمثلة في: الاختلاف في الكيفية، اذ لا تتطلب المصافحة كما في بيعة الرجال، والاختلاف في الحدود، اذ لا تتعدى البيعة الطاعة في المعروف، والاختلاف في مساحة المسامحة، فالمساحة المسموح بها للنساء في هذا الشأن اوسع منها عند الرجال. وتعلق الدراسة على هذا التقسيم بأنه تجاهل التفرقة بين البيعة العينية والكفائية، كما انه عكس افتراض نقص اهلية المرأة. فبيعة النساء - كما تذكر الباحثة - لم تقتصر على العقيدة وإنما تعدتها الى البيعة على الجهاد والموت، وهذا يعني التزامها بالبيعة رغم كونها كفائية ولا مجال فيها لمسامحة النساء. وبالنسبة الى الولايات العامة تشير الدراسة الى عدم وجود معنى محدد لمفهوم الولاية العامة في كتب الفقه او السياسة الشرعية، وان كان يمكن تعريفها بأنها سلطة تعطيها الشريعة لشخص اهل لها، فتجعله قادرا على انشاء عقود وتصرفات نافذة من دون الحاجة الى اجازة من احد. واختلفت الآراء في شأن اهلية المرأة للولايات العامة، فذهب فريق الى عدم اهليتها لتولي الولايات العامة كافة، واجاز فريق ثانٍ توليها الولايات العامة ما عدا الخلافة، في حين قصر فريق ثالث اهليتها على ولاية القضاء، في ما تجوز فيه شهادتها. ومن المعروف ان هذه الاختلافات على مجموعة من الادلة الشرعية مرتبة كالآتي: النص القرآني ومفهوم القوامة، السنة النبوية وحديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة"، الاجماع، المصلحة بدعوى تعارض تولية النساء معه مصلحة الامة والاسرة، سد الذرائع، منعا للظهور والاختلاط المحرم. وخلصت الدراسة الى ان الولايات العامة تستلزم اهلية خاصة ومن النساء من يملكن هذه الاهلية ويصلحن لتحمل مسؤولية هذا الواجب الكفائي. واذا كانت الدراسة تفترض عدم وجود تقسيم اجتماعي للعمل، ومشاركة المرأة بحكم الاستخلاف في العمل السياسي، فإن الحديث عن الاسرة هو بالضرورة حديث عن المرأة باعتبارها فرداً من افرادها، ولا يتم اداء وظائفها الا بفاعليتها في إطارها. تؤكد الباحثة تميز الرؤية الإسلامية في النظر الى الاسرة كوحدة اساسية من وحدات المعمار الكوني، وأحد أبنية المجتمع التي تتضافر مع غيرها من الابنية في تحقيق مقاصد الاستخلاف. وتصل الدراسة الى ان الاسرة كأحد ابنية المجتمع الاسلامي تجمع في هيكلها النظام السياسي الاسلامي. ويتضح صدق هذا القول من دراسة بنائها وطبيعة العلاقات داخلها ممثلة في بنية الاسرة الممتدة، وهي تجمع بعض الاسر الصغيرة المستقلة استقلالاً داخلياً داخل اطار الاسرة الكبيرة. وبذلك تضم اجيالاً مختلفة وتنتشر خصوصا في المناطق الريفية والقبلية. وتتأسس العلاقة داخل الأسرة الممتدة على مجموعة من القيم أبرزها برُّ الوالدين، وصلة الرحم وعلاقات الجيرة مع الكيانات الاجتماعية الاخرى. وهي بهذا تربط بين القيم الأخلاقية والقيم الايمانية، وتمثل مركز النظام الاجتماعي الاسلامي ومستوياته: الفرد، الأسرة، الجيرة، الجماعة، الأمة. وتقرر الباحثة ضرورة الربط بين قيام الاسرة بوظائفها بنجاح، وبين وجود الاسرة الممتدة التي تمكنها من المشاركة في الفعاليات الاقتصادية والسياسية عند عجز الدولة بما يكفل لها دوماً قدراً من الاستقلال والاستقرار. واذا كانت التنشئة السياسية تتم في أي مجتمع من خلال مؤسسات عدة، أولها الأسرة، ثم النظام التعليمي، ثم المجتمع الأوسع، والمؤسسات السياسية كالأحزاب ووسائل الإعلام، تبقى الأسرة هي الوحدة المشتركة بين كل المجتمعات أيا كانت طبيعة تطورها، كما أنها هي الإطار الحاكم الذي يشكل شخصية الطفل وتوجهاته، وينعكس على سلوكه السياسي كفرد في الأمة في ما بعد. وغالباً ما تتزايد مسؤولية الاسرة عن التنشئة عند تقصير الأنظمة السياسية بمؤسساتها المختلفة عن اداء هذا الدور او قيامها بتنشئة سياسية تتعارض والقيم الحضارية للامة، بل وتهدد مصالحها المباشرة في الاجل القريب ومصيرها على المدى البعيد