بدت المسافة الفاصلة بين دارة المصيطبة والسرايا الكبيرة محسوبة بدقة، لأن سيارة رئيس الحكومة السابق صائب سلام لم تتأخر ثانية واحدة عن الموعد، وهي دخلت الباحة الداخلية للسرايا في الحادية عشرة والنصف تماماً ليترجل منها الرئيس سلام بمساعدة ابنه النائب تمام سلام تاركاً لعينيه من خلف النظّارة الطبية ان تجول في المكان ... وفي زمان مرّ عليه خمسة وعشرون عاماً. الرئىس سلام "عاد" الى السرايا امس لرغبة متبادلة منه ومن رئيس الحكومة رفيق الحريري في الاطلاع على ما آلت اليه بعد ترميمها. وهو كان غادرها في نيسان ابريل 1973 عقب استقالته من رئاسة الحكومة اثر معارك الجيش اللبناني والفلسطينيين وأرفقها بالطلب من رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية بإقالة قائد الجيش العماد اسكندر غانم. كان الرئيس سلام بلغ التاسعة والستين من عمره وعُرف خلال توليه رئاسة الحكومة بحزمه في ممارسة سلطة الحكومة خصوصاً في ما يتعلق بصلاحياتها. وهو حين خرج امس الى شرفة السرايا المطلة على بيروت وبحرها سأل عن "العدلية" فقيل له انها اصبحت اليوم "مجلس الإنماء والإعمار". فالتفت الى منطقة الفنادق معلّقاً: "هناك كانت منطقة الفنادق لكنهم دمّروها في الحرب بل فنوها". كان الرئيس الحريري سارع الى استقبال ضيف رئاسة الحكومة في بهو الاستقبال. وحرص على تأبط ذراعه اثناء الانتقال معاً يرافقهما سلام الابن الى اجنحة السرايا. كانت خطوات الرئيس سلام تشي بعبء السنين الثلاث والتسعين لكنها لم تحل دون الاطلاع على كل زاوية من زوايا القاعات التي زارها ولم تخلُ تعليقاته من "تلطيشات" ظريفة طاولت رؤساء حكومات سابقين. اول ما لفت الرئيس سلام اضافة طبقة الى المبنى، وحين دخل قاعة مجلس الوزراء لاحظ ان عدد المقاعد الوزارية كبير. فقال له الحريري انها 34 مقعداً لكن عددنا 30 الآن، والباقي للمقررين. ولما انتقل الى "مكتب رئاسة الحكومة" كما حرص الحريري على تسميته، أدى حارسان امام الباب التحية للرئيس سلام الذي تابع سيره الى الداخل سائلاً عما وراء كل باب يصادفه، مبدياً اعجابه بالتغيير الحاصل. "فالسرايا اليوم غير ما كانت عليه بالأمس"، معبّراً بكلماته البيروتية "منفوضة، شي بيبيّض الوجه". بعد استراحة قصيرة في مكتب الحريري استؤنفت الجولة ودخل سلام مقر اقامة رئيس الحكومة وأمام غرفة الطعام سأل "من يطبخ"؟ فأجاب الحريري "هناك من يقوم بهذه المهمة". فردّ سلام "يعني من اجل رشيد الصلح رئىس الحكومة السابق". واقترح سلام على الحريري ان يضع لافتة على السرايا يكتب عليها "دار الحكومة مثل ايام الاتراك". فردّ الحريري مبتسماً "بتعملّنا قصة". وقيل لسلام ان الرئىس الحريري لا مانع لديه اذا اراد رئيس الجمهورية ان يأتي الى السرايا، فأجاب سلام "هو لا مانع لديه اي رئيس الجمهورية". وانتقل الجميع الى قسم آخر قال الحريري انه مخصص لغرف منامة رئيس الحكومة وأولاده. فقال سلام "لن يأتي أحد ومعه اولاده الى السرايا". بدا الرئيس سلام معجباً بالزخرفة التي شاهدها في القاعات، ولا سيما منها قاعة "البانكويت" وقاعة الاستقبال الكبرى. وكان يردد طول الوقت "الله يبيّض وجهك ويعزّك". وهو حين سأله الصحافيون التعليق عما رآه اثنى على الجهد الذي بذله الحريري "لجعل السرايا سرايا حديثة" وعلى الجهد الذي يبذله في لبنان والعالم. الرئيس سلام الذي سيبلغ الرابعة والتسعين بعد ثلاثة اشهر، يحرص كما يقول ابنه النائب سلام "على التجوال يومياً في بيروت والمناطق القريبة ويسترجع في ذاكرته شق طريق المطار، اذ احتج يومها كثيرون على جعل عرضها 60 متراً، فكان موقف سلام "اننا نبني للمستقبل"، وهو يرى في مشاريع اليوم "امتداداً لرجل المشاريع" الذي كان في داخله.