مراحل بيكاسو الفنية كانت مرتبطة الى حد ما بالنساء. تغيير الاسلوب او الالوان كان له علاقة بامرأة جديدة في حياته، عشيقة كانت أو زوجة. لا يستثنى من هذا الخزف، فقد انكب عليه مستكشفاً ومبدعاً عندما بدأت علاقته مع فرانسواز جيلو التي كانت تهتم بالسيراميك، فساهمت معه في ورشة فالوري بجنوب فرنسا، كما أشرفت على بعض معارضه الخزفية في الاربعينات. بعض القطع التي انتجها في تلك الفترة موجود في معرض "بيكاسو: رسام ونحات الطين" الذي يجمع حوالي 176 قطعة من مختلف مراحل الرسام وتجاربه مع الخزف في وقت لم يكن هذا الفن يحظى باهتمام واسع. الصور الاولى التي قدمها الرسام كانت مقتبسة، أو بالأحرى مستوحاة، من قوام فرانسواز. إنها بداية طينية محضة. نوع من السهولة يواكب هذا المعرض الجميل... نوع من الليونة يغطي جدرانه...نوع من الخشونة في قطعه أيضاً. كيف يمكن التوفيق بين هذا كله؟ الافضل يكون باتباع خطة بيكاسو وطريقته في التعبير. ثم ان النجوم لا تتضح الا عندما يأتي الليل وتظلم السماء. وهكذا مع قطع الخزف هنا: أحياناً تركز العين على الرسوم وتنسى الإناء او الصحن أو البلاط. قد يحدث التمييز من بعيد، كأنك تنظر في ليل عميق. أحياناً من وراء سحب الاكتاف والرؤوس المستديرة الصهباء. لا تستطيع ان تتجاهل أية قطعة، لانها تقوم بالمشاهدة أيضاً، فأغلبها وجوه وعيون ونظرات. هذه القطع شخصية جداً، من الصعب ان تتجاهل لعبة الفنان مع الانحناء، مع الرغبة في تحويل الطين الى حواء، وما أكثر صورها في الطين هنا. في القطع مداعبة وغيرها، وخداع لا يتكرر، ثم مفاجآت، خصوصاً عندما تتحول الآنية الى امرأة، و يمثل الصحن ساحة لمصارعة الثيران. يعود الفضل في اعادة احياء فن السيراميك الى النساء، عندما لم يجدن تشجيعاً على ممارسة الفن التشكيلي في الثلاثينات، فاتجهن إلى فن الديكور والتزيين. واستخدم بعض النساء كذلك السيراميك في تصميمات المتاجر، ما شجع على انتشار نماذج جديدة. في هذا المعرض يختلط جمهور كبير مع طلبة معاهد. هؤلاء يجلسون على الارض، او بالاحرى تنتشر الارض تحتهم. كل منهم اختار قطعة خزفية يرسمها ويقلدها. الفتيات اخترن الصحون والمزهريات، أما الشبان فاختاروا اشكالا توحي باجساد. المحاكاة نادرا ما تنتج ثماراً: خزفيات ماتيس، وبراك وشاغال ظلت محصورة في قالب معين. النظر الى رسوم الطلبة يشجع على ان الخيال يكره المحاكاة تماما. بيكاسو كان يتسلى ويمزح مع شياطين الابداع في كل قطعة. لم يكن يبحث، كان يجد ويعثر... كما قال. بداية بيكاسو مع الخزف تعود الى العام 1906 عندما صنع قطعة سماها "الحريم". لكنه لم يركز على هذا الفن الا في الاربعينات بعد ان اطلع في ورشة مادورا على التقنيات المختلفة في التلميع والتلوين وطرق تصنيع الطين. كانت امرأة جالسة على شكل قارورة إحدى بدايات المرحلة. ثم انتقل الى تشكيل القطع من عناصر عدة، فجعل القطعة تمثل اجواء كالصحون التي تمثل مصارعة الثيران أو وجبة الطعام . مرة أكل بيكاسو سمكاً وترك الهيكل الحسكي في الطين، ثم ألصق القطعة في الصحن. الاهتمام كان بالبعد الرابع، ومن خلاله انتج قطعاً تجمع بين النحت واللوحة والخزف. واذا كان تركيزه في البداية على موضوع المرأة والطعام، فقد توسع الى الطبيعة الميتة والاقتباس من لوحات فنانين آخرين أمثال رامبرانت وديغا والسيراميك الروماني. الخط المنحني والقوس والدائرة شغف جسدي في خزفيات الفنان. يذكرنا دائما بجمال الردفين اينما اتجهنا في غرف المعرض الخمس. اما التشوه فهو حكر على الرجال، وعلى الفنانين خصوصاً. لقد أعطاه الخزف فرصة الرسم على جميع أوجه الشكل. كما تبرز غالبية القطع هنا روح الدعابة: الوجوه المنكسرة التي تطل من الاطباق، وأواني السقي في اشكال طيور. يتجمع الناس حول تمثال امرأة من طين في وسط القاعة. يبدو كأنه مقتبس من حضارة بلاد ما بين النهرين. خيال بيكاسو كان بمثابة جسر بين الماضي والمستقبل.