في مطلع الصيف دعيت الى المشاركة في مقابلة تلفزيونية مع العقيد معمر القذافي، وحاولت تجنب عثرات السياسة، فاخترت فائدة لغوية وقلت ان كلمة "الجماهيرية" خطأ، لأن النسبة في العربية تؤخذ من المفرد، ما عدا اسم الجمع. وكلمة جمهور نفسها اسم جمع، منها "جمهوري" و"جمهورية"، اما "جماهيرية" فرهق لأنها مبنية على جمع الجمع، أو صيغة منتهى الجموع. ورد العقيد عليّ، ثم ردت مجلة ليبية رداً ظريفاً نشرت بعضاً منه. قبل يومين كنت أعيد ترتيب بعض الكتب في مكتبتي الخاصة في البيت عندما توقفت أمام كتاب بعنوان "قضايا ومشكلات لغوية" من تأليف المغفور له الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار، واصدار تهامة سنة 1982، ضمن سلسلة "الكتاب العربي السعودي". وتصفحت الكتاب ففوجئت بمقال ذكرني بما كنت ناسياً، فهو تحدث عن جدل قديم كنت طرفاً فيه حول كلمة "جمهورية"، وانقل عن الأستاذ العطار باختصار فهو بدأ بكلمة للأستاذ أحمد محمد جمال رحمه الله تحت عنوان "حوار لغوي" جاء فيها: قرأت للكاتب العربي الكبير الأستاذ أكرم زعيتر في "الشرق الأوسط" تحت عنوان "حوار مع مصحح متأدب" حديثاً حول الكلمات الصحيحة في بعض مقالات الأستاذ زعيتر التي ظنها المصحح خطأ فصوبها كذا/ بزعمه، فكانت تخطئة لصحيح، وتحريفاً لمستقيم. ثم تصدى الأستاذ زعيتر للمعلق الصحافي الرائع الأستاذ جهاد الخازن في موضوع نحوي آخر، وهو قاعدة النسبة الى المفرد، وما كتبه الأستاذ الخازن في زاويته "صباح الخير" من أن كلمة "جماهيرية" خطأ، والصواب "جمهورية"، وذلك نسبة الى المفرد كما تعلم في المدرسة... حيث قال الأستاذ زعيتر ان الأستاذ الخازن اخطأ بتخطئة "جماهيرية" مؤثراً عليها جمهورية مستنداً الى قاعدة نحوية تعلمناها في المدارس، وثبت وهنها وبطلان اطلاقها وهي تحتم النسبة الى المفرد. ويقول الأستاذ أحمد جمال: وقد أحببت أن أدخل مع الأستاذين الفاضلين في حوارهما العلمي الجميل الجليل لأقول ان مع كل منهما بعض الحق، فقد أشار الأستاذ الخازن الى القاعدة النحوية، وهي النسبة الى المفرد، ولم يتمها، وقال الأستاذ زعيتر ان القاعدة ثبت وهنها وبطلان اطلاقها، ولم يذكر ما اشترطته من استثناء النسبة الى الجمع إذا كان علماً، كأنصار ومدائن، فنقول في نسبته أنصاري ومدائني... ويكمل الأستاذ عطار فيعلق على كل ما سبق بالقول: وأما "الجماهيرية" فشاذة، وعلى غير القياس، وإذا جاز أن ينسب إلى الجمع شذوذاً أو في حالات نادرة فإن تسمية الدولة الليبية "جماهيرية" تدعو الى السؤال والاستغراب، لأنها لا تخلو من النبو وفساد الذوق والخروج على القاعدة. ومسألة النسبة من أبواب علم الصرف لا النحو، وقاعدة النسبة سليمة صحيحة قوية، وعجيب من الأستاذ أكرم زعيتر المعروف بغيرته على الفصحى أن يزعم غير ذلك... وأكمل أنا: وهكذا، فاعتراضي على صيغة "جماهيرية" ليس عمره ثلاثة أشهر، وانما يعود الى سنة 1982، وهو ربما كان تاريخ اطلاق اسم الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى على ليبيا. هل يغيّر الاسم الرسمي الآن، فتحل الافريقية محل العربية؟ أسأل ولا أجيب، وأتجاوز "الاشتراكية" و"العظمى"، وبقية المعزوفة لأبقى مع فائدة لغوية حول "الجماهيرية". أصدر مجمع اللغة العربية في القاهرة، في دور انعقاده الثالث قراراً عن النسبة جاء فيه "رأى المجمع في هذا ان النسبة الى الجمع قد تكون أبين وأدق في التعبير عن المراد من النسبة الى المفرد. بهذا عدل عن مذهب البصريين القائلين بقصر النسبة على المفرد الى مذهب الكوفيين المترخصين في اباحة النسبة الى الجمع توضيحاً وتبييناً...". وأولاً، فالمجمع أباح النسبة الى الجمع للايضاح، وهذا لا ينطبق على "جمهورية" و"جماهيرية"، وثانياً، فالمجمع توكأ على مذهب الكوفيين، غير أن مدرسة البصرة هي الأساس في الصرف والنحو اللذين يعلمان اليوم، ومذهب البصريين هو الأصل وآراؤهم هي الغالبة في قواعد اللغة كافة، إلا فيما ندر. واختتم بفائدة لغوية أخرى، فعنوان كتاب الأستاذ عطار وهو "قضايا ومشكلات لغوية" خطأ صوابه "قضايا لغوية ومشكلات"، وقد ضاق بنا المكان فاكتفي بالقول ان الشواهد كافة في القرآن الكريم تؤيد ما ذهبت اليه، فلعل بين القراء من يتبرّع بالشرح نفياً أو اثباتاً، ويجنبنا "اغاليط" طالما حذرني منها المغفور له الأستاذ زعيتر.