تواجه دول الخليج العربي مأزقاً جديداً يتمثل بتفاقم العجز في موازناتها واضطرارها الى الاقتراض مجدداً بسبب انخفاض اسعار النفط وترجيح بقائها ضعيفة السنة المقبلة. واشار الامين العام لمنظمة "اوبك" ريلوانو لقمان الى ان المنظمة ملتزمة نسبياً اتفاق خفض الانتاج لدعم الاسعار لكنه قال "ان السوق لا تزال تعاني من فائض بسبب ارتفاع المخزون الدولي وانتاج بعض الدول". وقال لقمان ل "الحياة" خلال مؤتمر دولي للنفط عُقد في لندن الاسبوع الجاري "ان نسبة التزام الدول الاعضاء في اوبك اتفاق خفض الانتاج وصلت الى 62 في المئة". واضاف: "بالطبع هذا امر جيد لاننا الآن في الشهر الثاني بعد الاتفاق وعلينا الانتظار اكثر اذ لا يمكن ان تخفض كمية بهذا الحجم بين ليلة وضحاها... وانا شخصيا متفائل بالتزام اكبر وآمل ان تلتزم جميع الدول المنتجة لازالة الفائض وتحقيق توازن حقيقي في سوق النفط العالمية". وكانت "اوبك" تعهدت بخفض انتاجها في حدود 2.6 مليون برميل يوميا السنة الجارية لرفع الاسعار بعدما هوت الى ادنى مستوى لها منذ عام 1988. وجاء التعهد ضمن اتفاقين مع الدول المنتجة الاخرى مما رفع اجمالي مستوى الخفض المعلن الى اكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا. ويخشى خبراء ان تبقى الاسعار ضعيفة السنة المقبلة ما يضع دول الخليج في مأزق مالي بسبب ارتفاع حاجاتها التنموية. وذكر الخبير الاقتصادي هنري عزام ان "على دول الخليج العمل بجدية السنة الجارية لابقاء العجز بالموازنة تحت السيطرة لأن اسعار النفط قد لا تتحسن السنة المقبلة مما يؤدي الى تفاقم العجز ويدفعها الى الاقتراض من جديد". واتفق الخبير السعودي احسان ابو حليقة مع هذا الرأي على اساس ان "تراكم العجز، في الوقت الذي لا يُتوقع تحسن الايرادات النفطية سيصعب الامور ويضع دول مجلس التعاون الخليجي في ورطة بعد التحسن الكبير الذي شهده وضعها الاقتصادي والمالي في العامين الماضيين نتيجة ارتفاع اسعار النفط". وعانت دول المجلس من عجز في الموازنة بلغ نحو 18.7 بليون دولار عام 1994 و 14.8 بليون دولار عام 1995، وتمت تغطية العجز بسهولة من دون حدوث مشاكل مالية بسبب ارتفاع الدخل النفطي العامين التاليين وقدر الارتفاع بأكثر من 15 بليون دولار. وأدى ذلك الى انخفاض العجز عام 1996 الى نحو عشرة بلايين دولار ووصل العام الماضي الى ادنى مستوى له منذ منتصف الثمانينات وهو 309 ملايين دولار على رغم ارتفاع الانفاق الفعلي. لكن التوقعات تشير الى عدم تكرار هذا التحسن في المستقبل القريب بسبب ارتفاع المخزون النفطي في الدول المستهلكة والازمة الاقتصادية الآسيوية وارتفاع الانتاج العراقي والتوسعات الجارية في طاقات الانتاج في عدد من الدول وتطور تكنولوجيا الحفر والاستكشاف. وذكرت نشرة "ارغوس" الشهرية الصادرة في لندن "ان على منظمة اوبك اجراء مزيد من الخفض لامتصاص الفائض من السوق وتعويض ارتفاع صادرات النفط العراقية وتباطؤ الطلب في آسيا وارتفاع انتاج دول من خارج اوبك". وتوقعت ان يصل معدل الطلب على نفط "اوبك" الى نحو 27.5 مليون برميل يوميا السنة المقبلة اي بمستوى الانتاج الحالي "ما سيؤدي الى بقاء حجم المخزون العالمي مرتفعاً وعدم حدوث اي تحسن في الاسعار". وقالت النشرة النفطية ان معدل الاستهلاك في آسيا سينمو بنحو 250 الف برميل يوميا فقط السنة الجارية في مقابل اكثر من مليون برميل يوميا العام الماضي. واشارت الى ان مخزون جميع الدول الاستهلاكية الرئيسية باستثناء اليابان ارتفع السنة الجارية اذ وصل اجمالي المخزون الدولي الى 2456 مليون برميل في تموز يوليو الماضي مقارنة مع 2286 مليون برميل في نفس الفترة العام الماضي. وحسب تقديرات النشرة اظهرت دول الخليج التزاماً اكبر باتفاق خفض الانتاج اذ انخفض انتاج السعودية من 8.46 مليون برميل يوميا في حزيران يونيو الماضي الى 8.24 مليون برميل يوميا في تموز يوليو الماضي. كما انخفض انتاج الامارات من 2.28 مليون برميل يوميا الى 2.17 مليون برميل يوميا وانتاج الكويت من 2.1 مليون برميل يوميا الى 2.05 مليون برميل يوميا وانتاج قطر من 680 الف برميل يوميا الى 650 الف برميل يوميا. وانخفض اجمالي انتاج "اوبك" من 27.96 مليون برميل يوميا الى 27.72 مليون برميل يوميا في حين ارتفع انتاج بعض الدول الاعضاء في هذه الفترة.