للضوء في راشانا نوعية تمزج ما بين قسوة الصخر وشفافية البحر. ضوء يثقب كالإزميل ويهدهد كالجفن الناعس في العشية. تحت وطأة ذلك الضوء يشتغل ستة نحاتين بدءاً من 28 آب أغسطس الفائت وحتى 12 أيلول سبتمبر الجاري ضمن المحترف الدولي الخامس للنحت الذي اختتم اعماله اليوم برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية الياس الهراوي. عرفت راشانا منذ انطلاقتها اوائل الستينات اقبالاً ملحوظاً من فناني المتوسط، ثم بدأ يؤمها فنانون آخرون من مختلف أنحاء العالم. وشهدت، في عهدها الذهبي، مهرجاناً للمسرح الحديث وحلقات ابداعية متنوعة بفضل دينامية البصابصة وحفاوتهم. رحل الشقيق الاكبر ميشال عام 1981 وبرز يوسف، الاصغر، في اعمال ضخمة، وأكمل ألفريد مهمات محترفه الذي ينظم هذه التظاهرة، كما بدأ نجلا ميشال ويوسف يؤكدان الوعد باستمرار النبض في راشانا من خلال اعمالهما في النحت والسيراميك. صوت المطارق والمناشر الكهربائية تعودته عصافير راشانا المتنقلة بين اشجار اللوز والزيتون وما عادت تحفل به. الا انها تميل برؤوسها الصغيرة احياناً علامة استقبال الوافدين الجدد. من بلجيكا، سيرج غانغولف، الحائز على جائزة روما للنحت عام 1974، يتفرّد عن الخمسة الآخرين باعتماده حجر رخام ايطالي بدلاً من الصخر المحلي المعتمد لدى البصابصة وغيرهم. ويقول غانغولف انه لا يستطيع ان يتأقلم بسهولة مع حجر جديد لم يتعوده: "أسهل عليّ التعامل مع مادة اعرفها، خصوصاً ان الوقت المعطى لإكمال المنحوتة ضيّق ولا يحتمل التجريب والاعادة". أما الكوبي توماس فرانكيز الذي يرأس قسم النحت في كلية الفنون في هافانا فقرر ان ينحت عملاً يمثل آلة ضخ النفط، وسوف يضيف الى الحجر انابيب معدنية لاستكمال تشكيله. سألناه: "هل خيّل اليك انك في بلاد منتجة للنفط؟". فضحك وقال: "كلا. انما الفكرة في رأسي منذ زمن. والمكان، ولو من بعيد، لا بد ان يكون له اثر في تفعيلها". الاوكراني ميخائيل غورلكوي والروسي غينادي بانكو يعملان متباعدين، روحاً ومادة، ولا يجمعهما سوى الحجر المقتطع من صخور لبنان. الاول تعبيري، ايمائي، مائل الى الشاعرية والثاني عملي، تزييني. الا ان تقنيتهما المستمدة من المدرسة السوفياتية بادية في وضوح. المغربية إكرام قبّاج، التي تخصصت في ام.جي.ام. للهندسة الداخلية في باريس بعدما درست النحت في الدار البيضاء وعرضت اعمالها في البلدان العربية والاجنبية مشاركة في التظاهرات الثقافية والفنية والسينمائية، تقول ان الجو والمناخ لا يشعرانها بغربة بل احياناً يخيّل اليها انها تعمل تحت شمس المغرب. قربها، على رأس بيريه تشبه قبعة سيزان، اللبناني بيار كرم ينحت امرأة واقفة مطلة على فضاء واسع وخلفها الاردنية منى السعودي منكبة على حجر مستطيل. الغائب الوحيد في هذه المجموعة العربية لطفي الرمحين من سورية، اعتذر في اللحظة الاخيرة لأسباب قاهرة تتعلق بصحة والده. ويقول ألفريد بصبوص، المتحرك كملكة النحل في القفير: "أسفنا لغياب الرمحين، ونتمنى ان يكون معنا في العام المقبل". ويضيف ان "ما يزيد في حماستنا هذا العام اننا سنختتم المحترف بافتتاح البارك الدولي للنحت في راشانا. وهو يحتوي على اعمال لافتة للنحاتين الذين شاركونا المحترف في السنوات الخمس المنصرمة".