دخل قانون الانتخاب اللبناني الجديد مرحلته الحاسمة، وبات إقراره بصيغته النهائية قبل 20 حزيران (يونيو) الجاري عالقاً عند محطتين: الأولى التصديق عليه في مجلس الوزراء في جلسته المقررة بعد غد الأربعاء، هذا في حال تمكن نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان من انتزاع موافقة الأطراف الرئيسة على التعديلات المقترحة عليه، شرط ألا تحتاج إلى تعديل جوهري في الدستور اللبناني، والثانية إحالته على البرلمان في جلسته الإثنين المقبل لمناقشته تمهيداً للموافقة عليه ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية قبل انتهاء ولاية البرلمان الممدد له في 20 الجاري. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية ونيابية أن المشاورات الجارية في كل الاتجاهات والتي يتولاها النائب عدوان تأخذ في الاعتبار ضيق الوقت الذي يتطلب إقرار القانون قبل انتهاء ولاية البرلمان لئلا يصار إلى إقحام البلد في سجال دستوري وفي تجاذبات سياسية. ولفتت المصادر الوزارية والنيابية إلى أن التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب تتمحور حول النقاط التالية: - تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية على أن تجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساس اعتماد النظام النسبي. - حسم الخلاف الدائر حول تقسيم بيروت دائرتين انتخابيتين، في ضوء ضم الدائرة الثانية (الباشورة) إلى الدائرة الثالثة (المزرعة رأس بيروت المصيطبة زقاق البلاط) مع إمكان إلحاق بعض الأحياء التابعة جغرافياً إلى الثانية ببيروت الأولى (الأشرفية)، وهذا الأمر يستدعي نقل بعض المقاعد النيابية. - استبعاد التأهيل في القضاء على أساس طائفي أو مذهبي لمصلحة اعتماد الصوت التفضيلي، شرط أن يكون وطنياً. - الموافقة على احتساب 10 في المئة من الأصوات للائحة الانتخابية، باعتبار أنها العتبة الوطنية التي تؤهل هذه اللائحة للحصول على تمثيل في البرلمان. - تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية في ضوء إقرار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأن الوزارة في حاجة إلى سبعة أشهر ليكون في مقدورها إنجاز الاستعدادات التقنية واللوجستية لإتمام الاستحقاق النيابي، شرط أن تكون متلازمة مع تأهيل الناخبين وتدريبهم على طريقة الاقتراع. وبالتالي يفضّل تمديد موعدها إلى مطلع الربيع المقبل، أي شهر آذار (مارس)، في مقابل رأي آخر يفضل أن تجرى مع حلول فصل الشتاء. لذلك، يمكن التوصل إلى تسوية تقضي بتحديد موعد أولي لإجراء الانتخابات في الربيع المقبل على أن يصار إلى تقديم الموعد في حال تسارعت الاستعدادات وبات في مقدور الناخب اللبناني ممارسة حقه في الانتخاب من دون حصول أخطاء في عملية الاقتراع. - حسم الخلاف الدائر حول ما يتردد من أن المقعد النيابي الواحد الذي يخص هذه الطائفة أو تلك، يجب أن يحتسب الفوز فيه على أساس النظام الأكثري، بذريعة أن النسبية تحتسب في الدوائر الانتخابية التي تضم أكثر من مقعد لطائفة معينة. - عدم الوضوح في حجز مقاعد نيابية (كوتا) للنساء في ظل اعتماد النظام النسبي الذي لا يجيز إعطاء الأفضلية للمرشحة للفوز في مقعد نيابي في حال حصل منافسها على نسبة أكثر من أصوات الناخبين. تعديل المادة 24 من الدستور على صعيد آخر، لا بد من الإشارة إلى أن تثبيت المناصفة في توزيع المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين أثار لغطاً في الوسط السياسي دفع ببعض الأطراف إلى طرح تساؤلات ما إذا كان المقصود بتثبيتها في قانون الانتخاب الجديد يقضي بتعديل دستوري للمادة 95 من الدستور التي تنص أن «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيسي المجلس النيابي والحكومة شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، وتكون مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمهما إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية». ويبين بعض المراجعات السياسية، كما تقول المصادر نفسها، أن المقصود بالتعديل المقترح توزيع المقاعد النيابية كما نصت عليه المادة 24 من الدستور وفقاً للقواعد الآتية: أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. ب- نسبياً بين طوائف كل من الفئتين ونسبياً بين المناطق. وتؤكد المصادر أن تعديل هذه المادة لا يشمل إلغاء ما نصت عليه، أي استبدال بالتوزيع المرحلي الموقت توزيع ثابت يمكن أن يطيح إلغاء الطائفية السياسية في البرلمان وحصرها في مجلس الشيوخ. وبكلام آخر، تقول المصادر عينها إن تثبيت توزيع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين على أساس مذاهبهم لا يستهدف المادة 95 من الدستور المتعلقة بمرحلية إلغاء الطائفية السياسية في البرلمان. وتعزو سبب تثبيت المقاعد إلى ضرورة طمأنة الطوائف الصغيرة والمتوسطة من المسلمين والمسيحيين إلى أن لا مساس بمقاعدها النيابية المخصصة لها على قاعدة تأكيد احترام المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في توزيع المقاعد النيابية. المخاوف من التعديل الدستوري وترى أن التعديل يهدف أولاً وأخيراً إلى تثبيت نسبية توزيع المقاعد بين الطوائف من الفئتين، وأيضاً نسبياً في المناطق. وعليه، فإن تثبيت المقاعد يحتاج إلى إصدار قانون جديد لأنه يبقى في حدود القانون العادي الذي لا يستدعي اللجوء إلى تعديل دستوري، خصوصاً أن المس بروحية اتفاق الطائف انطلاقاً من المادة 95 من الدستور، يعني أن الأبواب أغلقت في وجه إلغاء الطائفية السياسية في البرلمان واستحداث مجلس شيوخ طائفي. وهكذا، فإن مجرد التلويح بوجود رغبة لدى البعض -وفق المصادر الوزارية والنيابية- بإعادة النظر في المادة 95 وصولاً إلى تعليق العمل بها، يعني أن النظام في لبنان لن يتطور، وأن هناك من يحاول العودة به إلى الوراء، أي إلى ما قبل انعقاد مؤتمر الطائف، ما يدفع في اتجاه المزيد من التطييف للتمثيل السياسي، خصوصاً إذا ما بني على معادلة سياسية تقوم على الجمع بين طائفية مجلس الشيوخ من جهة وتكريس طائفية البرلمان من جهة ثانية. لذلك، لن يكون للتعديلات المقترحة على بعض البنود الواردة في المادة 24 من الدستور أي بعد سياسي يراد منه الالتفاف على المادة 95، بمقدار ما أن الهدف منها توفير الحماية الموقتة التي تحفظ المقاعد النيابية للطوائف الصغيرة وبالتالي قطع الطريق على الطوائف الكبرى من اجتياحها تحت سقف الحفاظ على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في التمثيل النيابي، ناهيك بأن إلغاء المادة 95 من الدستور سينقل البلد إلى مرحلة سياسية من شأنها أن تضعه على حافة الانقسام الحاد وصولاً إلى «تشريع» الفيدرالية السياسية، إنما تحت عنوان ضرورة إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، وبذريعة أن هناك ضرورة ملحة لوضع ضوابط للتغيير الديموغرافي في لبنان. وباختصار، فإن مجرد لجوء بعض الأطراف إلى الاجتهاد في تعديل المادة 24 من الدستور وبشكل تشتم منه رائحة التحضير لإقامة فيدراليات سياسية، من شأنه أن يعيق إقرار قانون الانتخاب، لأن مثل هذا الطرح سيواجه رفضاً في مجلس الوزراء قبل أن يحال إلى البرلمان، حتى لو طالب البعض بالتصويت داخل الحكومة باعتباره الحل الوحيد لحسم الخلاف. وهذا ما تحذر منه المصادر النيابية والوزارية، لأنه يؤدي إلى تشويه صورة النظام السياسي في البلد ويهدد العيش المشرك بين اللبنانيين، نظراً إلى أنه يقيم حواجز مذهبية تؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث فرز سكاني. وتعتقد المصادر نفسها أن من يفكر باستخدام تعديل المادة 24 كنافذة لإلغاء المفاعيل المرحلية للمادة 95، سيلقى معارضة في مجلس الوزراء من شأنها أن تحبط مثل هذا التوجه وتمنع إحالته إلى البرلمان. وتقول إن الأجواء العامة في مجلس الوزراء لا تحبذ مجرد طرح مثل هذه الأفكار «الملغومة» التي تهدد الكيان اللبناني، وإن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تبرع من كيسه للوصول إلى قانون انتخاب جديد لن يسمح، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون، بإحداث انقلاب يستهدف الصيغة اللبنانية ويدفعها إلى المجهول.