تشير مجمل التطورات الجارية إن في اسرائيل أو على الصعيدين الدولي والاقليمي، الى ان لحظة الدفع نحو إحداث تغيير سياسي في قد اقتربت، ما يضع الدولة العبرية بحسب حاييم رامون، احد ابرز قادة حزب العمل، على عتبة اعتماد احد خيارين: حكومة وحدة وطنية أو اجراء انتخابات جديدة. كتب ماجد كيالي : يأتي الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية في اسرائيل، في هذه المرحلة، تعبيراً واضحاً عن المأزق الذي تعاني منه السياسة الاسرائىلية بمختلف تياراتها، بغض النظر عن كونها في السلطة أو في المعارضة، خصوصاً وان هذا الخيار يعبر تحديداً عن مأزق القطبين السياسيين الرئيسيين في النظام: حزبي العمل وليكود. ورغم الازمات المتوالية والصعوبات الكبيرة التي عرفتها حكومة نتانياهو منذ قيامها قبل اكثر من عامين حزيران/ يونيو 1996 والتي كانت كل واحدة منها تقريباً كفيلة باسقاطها، فقد حافظت على بقائها واستمرارها. ويعود الفضل في ذلك الى النظام الذي جرى اعتماده لاول مرة في تاريخ اسرائيل في انتخابات 1996" فلولا هذا القانون لما أمكن لهذه الحكومة الاستمرار. ومعروف ان هذا القانون يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء، ويضع اسرائيل على سكة التحوّل نحو النظام الرئاسي، وهو يقيد علاقات الكنيست برئيس الوزراء، خصوصاً ان نزع الثقة عنه يغدو مرتبطاً بحل الكنيست ذاته. وهذا الامر هو الذي أدى الى تماسك الائتلاف الحكومي حتى الآن، وهو الذي يمنع الاحزاب الصغيرة من اللجوء الى خيار اسقاط الحكومة تخوفاً على مقاعدها الحالية في الكنيست، وبالنظر الى التكاليف الكبيرة للانتخابات. أما بالنسبة لإقالة رئيس الوزراء وحده بدون حل الكنيست، فهذه تتطلب ثلثي اعضاء الكنيست 80 عضواً وهذا العدد من الصعب جداً بلوغه بالنظر لتركيبة الكنيست الحالية. وكل المؤشرات المحيطة بالسياسة الداخلية والخارجية لنتانياهو وحكومته، تؤكد بانه مدين في بقائه لقانون الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء. فحتى أوضاعه في داخل حزبه، ليكود، ليست مستقرة ويلقى معارضة من قادة مثل بني بيغن ودان مريدور وروني ميلو وأيهود أولمرت، وحتى من اسحق مردخاي وزير الدفاع، وارييل شارون وزير البنى التحتية. كما يدين نتانياهو ببقائه الى ضعف المعارضة الاسرائيلية، وترددها، وعدم رغبتها خوض الصراع معه على خلفية عملية التسوية خوفاً من تآكل مكانتها، حيث انها لا تستطيع المزايدة عليه في هذا المجال، فضلاً عن ان اوضاعها ورؤاها لم تنضج بعد لطرح تصور واضح ومتكامل في مسألة التسوية مع الفلسطينيين. ونتانياهو ونتيجة التجربة السابقة خصوصاً بعد ان ضعف ائتلافه الحكومي بخروج حركة "غيشر"، بات يدرك صعوبة وضعه، وجاءت نتيجة التصويت على قانون حل الكنيست، أواخر الشهر الماضي، أبلغ انذار. فقد استطاعت المعارضة تمرير هذا القانون بمجموع 60 صوتاً، اذ صوت الى جانبها نواب حركة غيشر، و3 نواب من حركة الطريق الثالث مشاركة في الائتلاف الحكومي، والقيادي في حزب ليكود دان مريدور، الذي استقال سابقاً من وزارة المالية. وكعادته في المناورة والمداورة، ولاطالة أمد سلطته، فقد يلجأ نتانياهو الى خيار تشكيل حكومة "وحدة وطنية" في حال استطاع تمرير اشتراطاته لتشكيلها، خاصة وانه يدرك ان حزب العمل ليس في أفضل احواله. فزعيم هذا الحزب أيهود باراك لم يثبت جدارته كزعيم بديل مناوىء له، وشعبية الحزب ليست على ما يرام بنتيجة ضعف ادائه وبنتيجة التصريحات المهينة لليهود الشرقيين التي أدلى بها اخيراً أوري أور ،احد قيادييه البارزين. ثم ان هذا الحزب ليس مستعداً حتى الآن للمغامرة بمكانته في موضوع يتعلق بعملية التسوية مع الفلسطينيين. وفي مناورته هذه سيعمل نتانياهو على الإطالة لكسب الوقت ولكسب مزيد من النقاط لابتزاز حزب العمل، ومن الممكن ان يطرح خيار تمرير قانون حل الكنيست واللجوء الى انتخابات نيابية جديدة تعيد صوغ الخارطة السياسية الاسرائيلية. وبذلك يؤمن استمراره في رئاسة الوزارة الى نهاية الفترة الانتخابية الرئاسية، ما يتيح له تعزيز وضعه في الانتخابات التي ستجري في العام ألفين لمنصب رئيس وزراء اسرائيل. اما في حال رفض حزب العمل، فمن غير المرجح ان يوافق نتانياهو على تقريب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حتى ولو في اطار اتفاق على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" بين حزبي العمل وليكود، يجري بموجبه توزيع المناصب الوزارية بين قياديي الحزبين. وهكذا يبدو احتمال قيام حكومة "وحدة وطنية" أقرب منالاً من احتمال تقريب موعد الانتخابات. المهم ان ثمة تغييراً سيجد طريقه عاجلاً أم آجلاً الى السياسة الاسرائىلية. والملحوظ هنا ان تضامن العرب وصمودهم على مواقفهم في وجه الاملاءات الاسرائىلية، هما ما قد يستدعي هذا التغيير.