تزامن وصول رئيس لجنة الأممالمتحدة لإزالة أسلحة الدمار الشامل أونسكوم ريتشارد بتلر الى بغداد أمس مع مرور ثماني سنوات على الاحتلال العراقي للكويت في الثاني من آب أغسطس 1990. هذا التزامن يأتي مناسباً تماماً للتذكير بأن العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على العراق جاءت نتيجة لعداون صارخ على دولة مستقلة عضو في الاممالمتحدة واتخاذ اجراءات عملية لإلغاء وجودها بجعلها المحافظة التاسعة عشرة للعراق. وبات واضحاً ان النظام العراقي برهن بما لا يقبل الشك على طبيعة عدوانية غير قابلة للتغير. وأُخذ في الاعتبار ان هذا النظام شن حرباً مدمرة على ايران استمرت ثماني سنوات واستخدامه أسلحة كيماوية ضد شعبه من الأكراد وتدميره خمسة آلاف من قراهم وممارسته أبشع أنواع القمع والاضطهاد للشعب العراقي عموماً وسعيه الى الهيمنة على المنطقة عبر امتلاكه وانتاجه أسلحة للدمار الشامل. ولهذه الأسباب قرر المجتمع الدولي أن الطريقة الوحيدة لاحتواء عدوانية العراق هي بإزالة أسلحته للدمار الشامل وإلزامه كشف كل برامجه السرية في هذا المجال والامتناع مستقبلاً عن انتاجها. وأمكنت مواجهة العراق بهذا الموقف بفضل المستجدات الدولية الناجمة عن انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وإمكان إقامة نظام دولي جديد. هكذا صدر القرار 687 الذي نص على أن رفع العقوبات لن يتم إلاّ بعد أن تعلن "أونسكوم"، التي شكلت خصيصاً لتحقيق هذه المهمة أنها أنجزتها. وافترض وقتها أن المهمة يمكن تنفيذها خلال ثلاثة أشهر. ولكن اليوم، بعد مرور ثماني سنوات، ليست "أونسكوم" عاجزة عن انجاز مهمتها فحسب، بل انها مهددة بضياع كل ما حققته خلال هذه الفترة في مجال اعتماد وتنفيذ نظام فريد لمراقبة قدرات العراق على انتاج أسلحة الدمار الشامل. ولعل أقرب شيء الى هذا النظام، مع أنه لا يصل الى مستواه، هو ذلك الذي فرضته الأممالمتحدة على ألمانيا الغربية لاحقاً المهزومة في الحرب العالمية الثانية ولم يُلغ نهائيا الاّ في الثمانينات. يصل بتلر الى بغداد في ظل تصعيد عراقي معه ومجلس الأمن وعشية "جلسة طارئة" لما يُسمى بالمجلس الوطني البرلمان الذي يتوقع ان يناقش "الاستراتيجية البديلة" المطلوبة "للدفاع عن المصالح العليا للشعب وأمن البلاد وسيادتها". أي بعبارة أخرى، تصعيد المواجهة مع "أونسكوم" تحسباً لفشل المحادثات مع رئيسها، وهو أمر يبدو كأنه تحصيل حاصل طالما ان بغداد تصرّ على عدم التخلي عن أسلحة الدمار الشامل مهما كان الثمن وهو بالمال فقط يُقدر بأكثر من 150 بليون دولار كان يمكن ان يحصل عليه العراق من تصدير النفط خلال السنوات الثماني الماضية. والسؤال الرئيسي هنا هو هل أصبح النظام العراقي أقل عدوانية بعد ثماني سنوات على فرض العقوبات عليه عقاباً على غزو الكويت؟ الجواب واضح وهو "كلا" قاطعة قالها اكثر من مرة كبار المسؤولين في هذا النظام وآخرهم نائب الرئيس طه الجزراوي الذي سخر قبل أسابيع من الذين يعتقدون أن نظامه سيحترم اعترافه الرسمي بالحدود القائمة بين العراقوالكويت. ولكي تقطع بغداد الشك باليقين في شأن نياتها المقبلة، فإنها استغلت الذكرى الثامنة للعدوان على الكويت لكي تؤكد صحافتها الرسمية مجدداً أمس أن الكويتيين هم الذين "اعتدوا" على العراق في 1990 وما زالوا يواصلون "عدوانهم" ولتهددهم بأوخم العواقب. هل من الصعب بعد هذا كله الجواب عن السؤال: هل سيرفع الحصار؟