وضعت يدي على قلبي قبل دخولي دار العرض لمشاهدة "ست الستات" أحدث أفلام المخرج رأفت الميهي والسبب هو المستوى الفني والفكري المتواضع الذي جاءت عليه أفلامه الثلاثة الأخيرة: "قليل من الحب.. كثير من العنف" و"ميت فل" و"تفاحة" التي لم تستطع أن ترتقي بأية حال الى مستوى الكوميديا الاجتماعية الساخرة الجيدة التي عهدناها معه من قبل. السيناريو المرتبك في "قليل من الحب"، والكوميديا المفتعلة التي تخلو من أي مضمون جاد كما في "ميت فل" الذي كان مرتعاً لبطلته شريهان تمارس فيه استعراضاتها التي جاءت نسخة باهتة ومكررة من فوازيرها الرمضانية، هذا الى جانب جمل الحوار التي كان يفترض أن تكون كوميدية، لكنها ابدت باردة برودة الثلج، ولم ينفع معها وجود "كوميديان" مثل اشرف عبد الباقي. ثم فيلم "تفاحة" الذي حصل على جائزة كبرى من مهرجان القاهرة السينمائي، ولا يعرف أحد بعد كيف حصل ذلك. "ست الستات" ينتمي بصورة ما الى هذه النوعية الأخيرة من أعمال الميهي، لكن أفضلها، على الاقل على مستوى المواقف والمفارقات الكوميدية الموفقة التي عرض بها المخرج موضوعه. لكنه يفتقد - مثله في ذلك مثل الأعمال الثلاثة الأخيرة - جمال الصورة السينمائية، ويعاني استاتيكية رهيبة للكاميرا، ويعتمد الى حد الملل في سرد موضوعه على الحوار فقط دون الصورة، فبدا الأمر كأن المشاهد يقرأ نصاً سينمائياً مكتوباً. بقليل من التأمل في الأفلام الأولى للميهي مثل "الافوكاتو" و"السادة الرجال" و"سيداتي سادتي"، وتجاوزاً "سمك لبن تمر هندي"، و"للحب قصة أخيرة" الذي يظل أفضل أعمال الميهي، نجد أن أحد اسباب نجاح هذه الأعمال الأولى هي تلك الأفكار المجنونة والأصيلة والمبتكرة والتي حققت نجاحه كمخرج. ولكن بعد ما نضبت هذه الأفكار لجأت الى الافتعال، وعانت افلامه الركاكة وتشويش الرؤية في الأعمال الأخيرة فقد كشفت عن اسلوب فني وإخراجي متواضعين. وهناك واقعة مشهورة أغضبت الميهي حين شاهدت لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي العام 1997 نصف ساعة فقط من الفيلم، ثم تركت القاعة، واكتفت بهذه المدة للحكم عليه بالرفض. تبدأ أحداث "ست الستات" بعودة عبدالعزيز ماجد المصري من السعودية بعد أن عمل فيها مدة عشر سنوات جمع خلالها نصف مليون دولار. يبحث عبدالعزيز عن منزل خالته الورعة التقية فكيهة التي لم يرها من قبل، وعندما يطرق باب شقتها يفاجأ بأنها حولت بيتها الى بيت دعارة، وتنكر الخالة وجود أي علاقة قرابة بينهما. وأمام إصراره تتهمه بالجنون. وفي هذه الشقة يواجه عبدالعزيز نماذج سلبية ومنحرفة، بداية من الخالة فكيهة القوادة، والتي يطلق عليها "ست الستات" على سبيل التهكم وقامت بدورها ماجدة الخطيب، الى طليقها الانتهازي المحامي المزيف حسن حسن حسني، ورفيقها الحالي مؤمن علي حسنين، وكذلك صبيتها المدللة لولا ليلى علوي. وتغير الخالة موقفها، حين تعلم أنه يمتلك نصف مليون دولار يريد استثمارها في مشروع صغير. بعد انتهاء عرض الفيلم، هاجمه النقاد والصحافيون وقالوا إن الميهي يصور الشقة بما فيها من دعارة وإنحراف بوصفها نموذجاً لمصر، لكن أغلب الظن أن المخرج لم يقصد هذا. هناك اسقاطات سياسية في الفيلم على عدد من القضايا، منها جمع الشمل العربي، والتضامن مع فلسطين، الاسقاطات مباشرة أحياناً، وأتت بصورة فنية، عندما ظل عبدالعزيز يكرر رغبته في استرجاع اسرته من سورية والكويت وليبيا، وكذلك عند ارتداء لولا للكوفية الفلسطينية المميزة، وجاءت في احيان أخرى لا يصحبها سوى القليل من الذكاء الفني، حين نسمع صوت التلفزيون من خارج الكادر وهو يقدم تقريراً إخبارياً من الأرض المحتلة. وأحياناً يأتي ذلك الاسقاط متضمناً قدراً كبيرا من الذكاء والحماسية الفنية، عندما يرمز الميهي للشقة باعتبارها مؤسسة عربية للتضامن، لا سيما بعد تحويها الى بنسيون "الحلم". وبعد أن يفشل مشروع البنسيون يبحث كل عن طريقه بمفرده سواء على مستوى شخصيات الفيلم كأفراد أو كما هو مقصود بها كبلدان عربية. ويعودون جميعاً الى طريق الرذيلة والانحراف، فلم يستطع أي منهم أن يعيش حياة نظيفة إلا لولا التي صممت على التوبة، ونهج الطريق السوي مع عبدالعزيز