أثارت قضية مصنع الادوية السوداني الذي قصفته صواريخ اميركية جدلاً في شأن مدى صدقية الرواية الاميركية ومصادرها. وشددت الحكومة السودانية على تأكيد ان "مصنع الشفاء" تابع لشركة خاصة يملكها ممولون سودانيون وان المصنع الذي ينتج نصف كميات الدواء التي تنتج محلياً بعيد تماماً عن صناعة الغازات القاتلة. واتهمت الخرطوم المعارضة باعطاء معلومات مضللة لواشنطن في اطار "تسوية حسابات داخلية بين الاطراف المعارضة". ودعت الخرطوم الى ارسال بعثة تقصي حقائق دولية لفحص المصنع الذي يشغل مساحة 16 الف متر مربع في المنطقة الصناعية في مدينة الخرطوم بحري احدى مدن العاصمة المثلثة ويعمل فيه نحو 360 شخصاً. وافتتح المصنع رسمياً في حزيران يونيو 1997 وكان يملكه رجل الاعمال السوداني بشير حسن بشير المعروف في مجال صناعة الدواء. وآلت ملكية المصنع قبل اربعة اشهر الى شركة "غناوا" التي يملكها عدد من رجال الاعمال ابرزهم رجل الاعمال السوداني صلاح ادريس الذي يستثمر في مجالات عدة في السودان وخارجه ومعروف بعلاقاته مع مصارف عربية. وشارك بنك التجارة التفضيلي الافريقي ومقره في نيروبي في تمويل المصنع لدى انشائه. ويقع "مصنع الشفاء" في منطقة لا تبعد كثيراً من حي كافوري الراقي في شمال الخرطوم الذي يقطنه عدد من السفراء الاجانب. ويتألف المصنع من 12 وحدة لانتاج الادوية البشرية والبيطرية التي تشاهد معروضة في الصيدليات. وسخر المندوب السوداني لدى الأممالمتحدة الفاتح محمد احمد عروة وهو ضابط استخبارات كبير سابق من التصرف الاميركي قائلاً ان "على واشنطن ان تعيد النظر في مصادر استخباراتها التي ادعت ان المصنع ينتج اسلحة كيماوية". وقال ان المصنع يبعد نحو كيلومتر واحد من منزله ولا علاقة له بالأدوية". وزاد ان حكومته طردت اسامة بن لادن "لأن الحكومة الاميركية طلبت الينا ذلك، ولم تهتم بالمكان الذي يذهب اليه على ان لا يكون الصومال حيث كانت هناك قوات اميركية". ويقع المصنع في شمال المنطقة الصناعية وهو قريب من محطة الخرطوم بحري للطاقة الحرارية ومصنع كردمان لانتاج حلاوة طحينية. وشرح وزير الصحة الفريق المتقاعد مهدي بابو نمر اهمية المصنع للسودان وقال ان عددا من الرؤساء وزوار البلاد الكبار تفقدوه وكان آخرهم رئيس بوركينا فاسو ووزير الخارجية الكيني. وقالت وزيرة الصحة السابقة احسان الفيشاوي ان "زواراً كثيرين طافوا بالمصنع وشاهدوا وحداته وبينهم خبراء اميركيون وآخرون من منظمة الصحة العالمية". وأكدت ان المصنع صدر ادوية الى اليمن والعراق وتشاد وان خبراء ادوية اردنيين شاركوا في تركيب المصنع وتشغيله. واتهم نائب رئيس المؤتمر الوطني التنظيم السياسي الحاكم الدكتور علي الحاج "جهات محددة شاركت في اجتماع القاهرة بتقديم معلومات مضللة الى الاميركيين لأهداف تعرفها منها تسويات داخلية بين اطرافها، ومنها خلق ازمة دواء في البلاد وإيهام الاميركيين بوجود اسلحة كيماوية في السودان". وأضاف في اتصال هاتفي مع "الحياة" "نحن نعتبر مالك المصنع السيد صلاح ادريس مواطناً سودانياً ندافع عنه، وهناك علاقات سياسية متداخلة بين السودانيين، لكن المعلومات المضللة صادفت رئيساً اميركياً متوتراً بفعل الفضائح فأغرته، لكن الحقيقة ستعرف". وأبدى بعض سكان العاصمة السودانية ارتيابهم في الادعاءات الاميركية في شأن الغرض من المصنع وقال احدهم: "لا تصدق غالبية الناس هنا حتى المناهضون للحكومة ان هذا المصنع بالتحديد كان ينتج اسلحة كيماوية". واتهم البشير المعارضة السودانية في الخارج بتقديم معلومات للولايات المتحدة عن المصنع اثناء اجتماعات المعارضة في القاهرة الشهر الحالي. وبث التلفزيون السوداني ان رجل الاعمال السوداني صلاح ادريس يملك معظم اسهم المصنع الخاص. لكن الامين العام للتجمع الوطني الديموقراطي المعارض مبارك المهدي تحدث الى وكالة "رويترز" في القاهرة قائلاً "تحدثنا عن هذه الامور علناً الا اننا لم نكن جزءاً من التحرك الاميركي. وأعتقد ان البرنامج الذي كان قائماً كان خطيراً. واجتمعت الحكومة السودانية في شباط فبراير وقالوا انهم ليسوا بعيدين عن استكمال انتاج هذا الغاز. كان المصنع يتمتع بحراسة امنية قوية ويرتبط عبر طرق بمرفق آخر الى الجنوب كان يضم قسماً آخر للتصنيع العسكري". وأضاف المهدي "نعلم على وجه اليقين ان شيئاً مريباً كان يحدث. كان الترخيص الأولي للنشاط يتعلق بأدوية بيطرية ثم اضيفت مبان جديدة". وقال انه استشار علماء قريبين من المصنع كانوا متشككين في شأن حجم معدات التطهير والتعبئة. وما شاهدوه يتجاوز النشاط الصيدلي الطبيعي"