تنتهي "المرحلة الانتقالية" بموجب اتفاقيات اوسلو في الرابع من شهر ايار عام 1999. ويعلم الجميع انه من المستحيل في الظروف المعطاة تخيل التوصل الى "حل دائم" للمسألة الفلسطينية حتى ذلك التاريخ. ولذلك يطرح ايضاً السؤال حالياً حول مغزى اعلان استقلال الدولة الفلسطينية على الارض الفلسطينية التي ستقع تحت حكم السلطة حتى ذلك الحين. فيغلب مثل هذا الاعلان قد يعني ان الفلسطينيين قد اكتفوا بصيغة الحكم الذاتي، واعلانها يعني وضع اسرائيل والعالم امام امر واقع. والحقيقة ان النقاش يجب ان يدور حول فوائد ومضار هذا الامر الواقع عينه. فإعلان الدولة في مثل هذه الحالة لا يشبه بتاتاً اعلان الدولة الفلسطينية عام 1988 في الجزائر ذا الطبيعة الاخلاقية او المعنوية. واعلان كهذا يأتي عينياً على الارض ويقصد الاعتراف بسيادة سلطة قائمة على ارض محددة وهذا ايضاً خطرة، لأنه يحول ما تبقى من المسألة الفلسطينية: القدس، اللاجئين، الارض المتبقية تحت السلطة الاسرائيلية المستوطنات، الى صراع دائم او خلاف بين دولتين احداهما كاملة السيادة والثانية تدعي السيادة ولا تملكها، سرعان ما سيتحول الى صراع من اجل الاعتراف وصراع على الحدود. وهذه هي الفرضية التي سأحاول اثباتها ادناه. دخلت المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية مأزقاً حتمياً نابعاً عن مبنى هذه المفاوضات. وقد عجلت حكومة اليمين الاسرائيلية مرحلة المأزق ليشمل المرحلة الانتقالية ايضاً، وقد كان متوقعاً له ان يحل عند التفاوض مع حكومة حزب العمل في مرحلة الحل الدائم. ففي تلك المرحلة سيتضح انه لا يوجد اتفاق مع حزب العمل ولا مع حزب ليكود حتى على قضية واحدة يعتبرها الفلسطينيون خطاً احمر لأي حل دائم ممكن. لأسباب تاريخية لا مجال للخوض فيها الآن قبل الفلسطينيون السلام مع اسرائيل قبل التوصل الى اتفاق. اي انهم جلسوا للتفاوض بعد السلام وليس قبله. وقد تم دراسة اسباب اتفاق اوسلو وعوامل خضوع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لشروطه بعد حرب الخليج وبعد وصول الانتفاضة الى طريق مسدود. ولا مجال للعودة الى هذه الشؤون في هذه الورقة التي تنطلق من عملية اوسلو والبنى التي انتجتها هذه العملية السياسية على الارض الفلسطينية، والتي لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن اعادة عجلة التاريخ الى الوراء. ولا مجال لتقويم اعلان الدولة الفلسطينية الممكنة الا من خلال التعامل مع هذه الاوضاع القائمة نقدياً بما في ذلك البنية المختلة للعملية السياسية الجارية - واعلان الدولة هو خطوة ضمن هذه العملية السياسية، ومحاولة لخلق ازمة فاعلة تؤدي الى تغيير المسار لمصلحة الفلسطينيين. مأزق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية ناجم عن عدم وجود مبدأ اساسي واحد جاءت المفاوضات لتترجمه الى حيز التنفيذ او تقوم المفاوضات على اساسه، مثل الانسحاب او عدم احتلال اراضي الغير بالقوة، او حق تقرير المصير او غيره. واتفاق اوسلو قائم كله على قضايا اجرائية في نهاية المطاف، ولا يغير في ذلك كون القضايا الاجرائية ذاتها تحولت الى موضوعات جوهرية للتفاوض. وفي غياب المبدأ او المبادئ الاساسية الموجهة للمفاوضات والمنطلقة من ضرورة تحقيق العدل والانصاف، ولو النسبي، للشعب الفلسطيني، فان ما ينظم عملية السلام هو موازين القوة بين الطرفين - اي قدرة اسرائيل على الاملاء والمحاولات الفلسطينية اليائسة لتحديد هذه القدرة باستمالة الولاياتالمتحدة الى الموقف الفلسطيني في قضايا اجرائية، او حض اوروبا على لعب دور سياسي اكبر، او بتصعيد السخط الرسمي العربي على حكومة نتانياهو. واذا ما تناولنا المأزق التفاوضي الاخير حول المبادرة الاميركية نجده خير مثل على مبنى المفاوضات الحالي المأزوم. ما هي اهم مراحل هذا المأزق: 1- يتم الاتفاق على بند من بنود المرحلة الانتقالية. 2- يتم الاختلاف على تفسير البند، تحاول اسرائيل ان تملي شروطها ويتم التوصل الى حل وسط من جديد يخفض التنازلات الاسرائيلية. 3- يتم الاختلاف من جديد على التنفيذ، اسرائيل ترفض ان تنفذ لأن الفلسطينيين لا ينفذون التزاماتهم. 4- يتم التفاوض من جديد لايجاز صيغة اتفاق للتنفيذ. 5- يتم الاختلاف على تفسير هذا الاتفاق. 6- يجري التفاوض على تفسيره. 7- اخيراً تتدخل الولاياتالمتحدة وتقدم حلاً وسطاً يأخذ مصالح اسرائيلية جديدة في الاعتبار مثلاً جواز بناء الطرق الالتفافية، السماح بتوسيع الاستيطان. 8- لا توافق اسرائيل عملياً على المبادرة الاميركية. 9- يجري التفاوض من جديد لابتزاز تنازلات فلسطينية جديدة من اجل البدء بتنفيذ المبادرة… والآن نضيف توقعات للمستقبل: 10- توافق اسرائيل اخيراً على المبادرة. 11- يبدأ النقاش على التفسير… ونختصر الآن بعض الخطوات: 12- تتوقف اسرائيل عن التنفيذ على الانسحاب من 2 في المئة وتطالب بأن ينفذ الفلسطينيون التزاماتهم تبدأ ازمة جديدة - تصعيد عربي ودولي مواجهات على الحواجز، 13- مفاوضات جديدة وهكذا… دواليك الى ان يصل الرابع من ايار 1999 لتبدأ ازمة جديدة. هذا ما يخططه نتانياهو، وهو يخضع لمنطق ومنهج، وهذا المنهج هو الفارق الجوهري بينه وبين حزب العمل. يعتقد نتانياهو ان العطب الاساسي في مسار اوسلو السياسي هو التسليم باعادة اراض للسلطة الفلسطينية قبل التوصل الى حل دائم، لأن اي انسحاب من الارض يعني بنظره التقليل من الاوراق الاسرائيلية التفاوضية مع السلطة الفلسطينية. ولذلك تحاول الحكومة الاسرائيلية الحالية بكل الوسائل تأجيل الانسحاب او اعادة الانتشار المنصوص عليه في الاتفاقات المختلفة بما فيها تلك التي وقعت عليها الحكومة الحالية اتفاق الخليل وفرض مفاوضات حل دائم مبكرة - الاحتمال الثاني المقبول عند هذه الحكومة هو اعادة الانتشار مقابل تنازلات فلسطينية في قضايا ذات علاقة بالحل الدائم. وهذا يعني عملياً بدء مفاوضات الحل الدائم والغاء صيغة اوسلو الحالية التي تفصل بين مرحلة انتقالية لها استحقاقاتها وحل دائم والمرفوضة من قبل الحكومة الاسرائيلية الحالية، وهي تقوم بكل ما يلزم لاحباط هذه الصيغة. وتحاول الحكومة الاسرائيلية ادارة المسار برمته كأنه عملية ادارة ازمة مستخدمة المناوشات التي تتفجر من حين لآخر على هوامشها اليمينية المتطرفة من خلال استفزازات استيطانية مستمرة في القدس، او تهديدات بنزع الثقة من جانب لوبي المستوطنين في الكنيست، ومن خلال كسب الوقت بالوعود الكاذبة للدول العربية ذات العلاقات مع اسرائيل ومحاولة ابتزاز مواقف اميركية مماثلة للمواقف الاسرائيلية فيما يتعلق بالحل الدائم لاحقاً مقابل موافقة اسرائيل على تنفيذ وجهة نظر الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بالتزامات اعادة الانتشار حالياً. وغالباً ما يلقي السياسيون العرب المسؤولية برمتها على تكتيكات نتانياهو هذه محولين الموضوع الى مناقشة شخصيته التي تختزل الى شخصية الكذاب. ولكن تهمة الكذب القائم فعلاً لا تلخص الخلاف. والكذب والتسويف هما من بين وسائل تحتاجها الحكومة الاسرائيلية الحالية عند اجراء الاتصالات مع العرب ومع الاوروبيين في عملية ادارة الازمات. وتبقى القضية الجوهرية هي مواجهة صدق نتانياهو وليس كذبه، اي مواجهة منهجه المثابر في رفض المطالب الفلسطينية واعتقاده الراسخ ان في الامكان فرض الشرط الاسرائيلية على العرب، وانه حتى لو لم تنجح اسرائيل في فرض شروطها فلن تحصل ازمة لا تستطيع اسرائيل استيعابها بقوة الردع المتوفرة لديها. الكذب قائم في التفاصيل فقط، أما في ما يتعلق بالصورة الشاملة فلا يمكن وصف سياسة الحكومة الاسرائيلية بالكذب. وقد نجحت اسرائيل والولاياتالمتحدة في تحويل الصراع الى صراع على التفاصيل، وكل مشارك في العملية التفاوضية منذ نهاية صيغة مدريد، التي تعثرت لأن الطرف الفلسطيني اصر على القضايا الجوهرية، ومنذ بداية صيغة اوسلو التي انطلقت من ضرورة تأجيل المواضيع الجوهرية والبدء بالتفاصيل، كل من شارك في هذه العملية قادر على الشرح باسهاب ان منطق العملية هو الانتقال من تفصيل آخر ومراكمة "انجاز" هنا و"انجاز" هناك. ولكن الحياة الواقعية تختلف في دينامياتها عن التنظير بأثر رجعي بحثاً عن منطق يبرر الخيارات الخاطئة. فتأجيل القضايا الجوهرية والخوض بالتفصيل لا يعني بأي حال من الاحوال مراكمة انجاز بعد انجاز وصولاً الى القضايا الجوهرية الثابتة غير المتحولة الصابرة في انتظار غودو. ففي المفاوضات القائمة على موازين القوى لا يصح مثل "العب وحدك تيجي راضي"، فلا المفاوض الفلسطيني يلعب وحده ولا رضاه هو المقياس، ولا تلبث مقاييس الرضا عنده ان تتغير. المفاوض على الجانب الآخر من المتراس يجعل الاتفاق على التفاصيل صعباً ويسعى بشكل مثابر الى جعل التفاصيل وكأنها الجوهر ذاته، ليس فقط لأن معظم الوقت والجهد في استثمار الطاقات المحلية والدولية يتمحور تدريجاً حول هذه التفاصيل ما يزيد من اهميتها باستمرار بل لأنه خلال هذه الصيرورة الواقعية يتم تغيير تلك القضايا الجوهرية التي تم تأجيلها الى نهاية العملية التفاوضية بوهم انها ستبقى على حالها في نهاية هذه العملية. لقد تغيرت هذه "الثوابت" الفلسطينية في نظر بعض النخب الفلسطينية وارتفعت الى درجة الايديولوجيا البعيدة عن الحياة السياسية الواقعية او ليست هذه هي "الواقعية السياسية" Real politique. لقد اصبحت ثوابت فلسطينية مثل تقسيم القدس او ازالة المستوطنات او عودة اللاجئين او السيادة الكاملة ضرباً من العقائد التي يبقى ثباتها وتصلبها ضماناً لعدم تدخلها في العملية التفاوضية الاكثر تعقيداً. هذا بالضبط ما يسميه نتانياهو ب "خفض سقف التوقعات الفلسطينية من المفاوضات". لا يوجد في منطق المفاوضات الجارية والمستمرة حلول دائمة ثابتة منفصلة عن المفاوضات ذاتها. ومنطق الحل الدائم هو نفسه منطق المفاوضات على المرحلة الانتقالية، إلا انه يقوم على البنى التي انجزتها المرحلة الانتقالية على الارض وتفاوض عليه القوى نفسها المنطلقة من هذه البنى، دولة اسرائيل نفسها والسلطة الفلسطينية التي انجبتها المرحلة الانتقالية. لا يجوز في هذا السياق محاكمة ما يبدو في عين الناقد كتنازلات فلسطينية مستمرة كخيانة او عمالة والنظر اليها بمعايير اخلاقية. فالذي يحكم اي عمل وطني فلسطيني في السياق الحالي هو العلاقة الاسرائيلية - الفلسطينية وبنية هذه العلاقة. تقوم العلاقة التفاوضية ذاتها كما اسلفنا على التقدم بالتفاصيل بحيث يوجد طرف يطلب وطرف يحجب العطاء الا بشروط. والشروط لا تتلخص ب "مكافحة الارهاب" او "تغيير الميثاق" وغيرها كما تبدو الامور في عين الطائر المحلق فوق العملية التفاوضية وانما تذهب الشروط الاسرائيلية الى اقامة بنى هي وليدة العملية التفاوضية ولها مصلحة باستمرارها ولها وظيفة هي تطبيق هذه الشروط الى ان تنمو لديها مصلحة في تطبيق هذه الوظيفة: لجان تنسيق أمني تعمل بشكل روتيني ومنضبط، تفريغ منظمة التحرير من اي مضمون وتحويل السلطة الفلسطينية الى سلطة محلية مرتبطة بالشرط الاسرائيلية، اقامة علاقات من التبعية الاقتصادية تتضمن "تنازلات اسرائيلية" هنا وهناك في قضايا الاستيراد والتصدير والميناء والمطار وهذا لا يهم طالما كان الامر مرتبطاً دائماً بتنازلات اسرائيلية، اي طالما كان الاطار الاقتصادي يشمل الحاجة الى تنازلات اسرائيلية ليكون قادراً على الاستمرار. هذه البنى المتشكلة باستمرار هي ما سنجده امامنا عند الحديث عن حل دائم او عند اعلان الاستقلال الفلسطيني في حالة عدم التوصل الى درجة التفاوض على الحل الدائم. هنا يجب ان تفحص علاقة البنى الاقتصادية والامنية القائمة وموقف نخبها من التبعية القائمة لاسرائيل. من الواضح ان الموقف الاولي هو موقف ادانة ورغبة بالاستقلال. ولكن ليس هذا المقصود، وانما المقصود هو طاقة هذه النخب وقدرتها على اتخاذ موقف فعلي على ارض الواقع على شكل صراع مع اسرائيل، هذا الصدام السياسي يراهن عليه الاعلام العربي احياناً عند المآزق التفاوضية، ولكنه يتلكأ ويتردد ولا يأتي وتنتهي الازمات الى حلول وسط. لأن الحياة يجب ان تستمر في اليوم التالي، والحياة بأدق تفاصيلها مرتبطة بعلاقة التبعية القائمة. وما زال الصدام الذي يحصل عند التظاهر امام الحواجز، او عند محاصرة مستوطنة اسرائيلية في غزة، او عند توتر الاجواء في مدينة الخليل يدور ضمن هذه العلاقة في محاولة لتحسين وتوسيع هامش الحركة الفلسطينية ضمنها ولذلك لا ينتهي الى حالة صدام شامل، وهناك دائماً قنوات مفتوحة لتجاوزه ولو كلف بعض الضحايا. هذا لا يعني انه من المستحيل اشعال ازمة حقيقية شاملة تضطر اسرائيل الى الوقوف امام خيارات صعبة وتجبر المجتمع الدولي على الفصل، ولكن مثل هذه الازمة تحتاج الى نخب فلسطينية مستعدة للصدام وغير منشغلة بتفاصيل سعر السيارة بدون جمارك وبالتنافس على نسج علاقات مع هذاالمسؤول الاسرائيلي او ذاك، وبالخصومات الحقيقية في داخلها بين مجموعات مصالح مختلفة حول وكالات الشركات الاسرائيلية والاجنبية. وكان بالامكان تصور وضع تكون فيه النخب السياسية والامنية الفلسطينية مستقلة عن هذا النوع من العلاقة بحيث تتخذ قرارات تتناقض مع الاطار الحالي لعملية اعادة انتاج الحياة المادية في فلسطين. ولكن العقبة امام مثل هذا المسلك السياسي نفس العقبة الرئيسية في وجه التحول الديموقراطي ايضاً هي استغلال بعض النخب السياسية لموقعها الوظيفي لتتحول الى نخب اقتصادية مرتبطة بدورها في عملية اعادة انتاج الحياة المادية عبر التبعية للشروط الاسرائيلية: وكالات، تراخيص، حرية حركة… الخ. لقد تجذرت هذه البنية التي تتقاطع فيها النخب السياسية والاقتصادية على اكثر من مفصل الى درجة يصعب تخيلها. وغالباً ما يجد المرء ذاته متورطاً في نقاشات مع فعاليات فلسطينية تبدأ بتقييم الوضع الداخلي في اسرائيل وتنتهي الى تقييم شخصي حميم لهذا المسؤول الاسرائيلي او ذاك. وقد يبادر الصديق الفلسطيني الى سؤالك مباشرة حول تقويمك لفلان، وهو موظف او مسؤول اسرائيلي من حيث شخصيته ومواقفه وغير ذلك الى درجة يخيل للمرء فيها ان الموضوع اصبح موضوع تفاصيل وعلاقات تفصيلية ضمن صورة شاملة لا امل في تغييرها قريباً، بل بالامكان تحسين مواقع النخبة الفلسطينية في اطارهاوباستمرار ضمن عمليات مناورة تبدأ بالعلاقات الشخصية المباشرة وتنتهي باستغلال النقمة الشعبية والمظاهرات على الحواجز من قبل اولئك الذين ليصنعوها ولم تكلفهم ثمناً. ولا شك ان بعض الاوساط التي تؤكد ضرورة اعلان الدولة الفلسطينية تقصد خلق ازمة شاملة تضطر النخب الفلسطينية التي انتجتها عملية اوسلو والمرتبطة باستمرار العملية وجودياً الى اتخاذ موقف صدامي ضد حكومة اليمين الاسرائيلي وتورط عوامل دولية عديدة في الصراع مع هذه الحكومة خاصة اذا ادى اعلان الدولة الفلسطينية الى وقف المفاوضات والى توتر امني بين الاجهزة الامنية واسرائيل قد يصل الى حد الصدام. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نتوقع ان تتغير البنى القائمة بمجرد الاعلان، ولماذا لا تعود البنى القائمة الى أداء وظائفها بعد الاعلان تحت اسماء جديدة مستغلة الأزمة لتحقيق مكاسب تفصيلية جديدة ضمن عملية التفاوض؟ لو كانت هنالك قيادة اسرائيلية حكيمة في هذه المرحلة لقامت باستفزاز الفلسطينيين او اغرائهم لاصدار مثل هذا الاعلان لكي تعترف بهذا الكيان الفلسطيني الوليد الذي يحمل اسم دولة والذي لا يختلف كثيراً عن الكيان القائم حالياً جاعلة اعترافها بحد ذاته رهن شروط عديدة اهمها اقفال النقاش حول الحل الدائم في صفقة واحدة، فالدولة الفلسطينية الوليدة في مناطق السلطة ستكون محكومة بضرورات حد ادنى من العلاقات السلمية مع اسرائيل اذا ما كانت جادة بالاستمرار في الحياة، واذا لم يكن الهدف من اعلانها التعبير عن ازمة مهما بلغت حدتها. ومن الامور المفروغ منهاوالتي يجب ان تستمر بعد اعلان الدولة الفلسطينية المفترض: امكان الحركة بين اجزاء هذه الدولة في الضفة الغربية، الممر الآمن بين الضفة الغربيةوغزة، امكان التنقل على المعابر الحدودية بين الدولة الفلسطينيةوالاردن ومصر. وهذه هي الامور الاولية والبديهية التي تخطر على البال. ولكن كلما امعنا النظر في التفاصيل تبين لنا انه لا يوجد في المبنى الحالي جانب واحد للحياة الفلسطينية لا يحتاج الى تنظيم من خلال اتفاق اسرائيلي - فلسطيني. وستكون اسرائيل على اتم الاستعداد لعقد اتفاقات من هذا النوع وحتى ان تضيف اليها اعترافاً بالدولة الفلسطينية ضمن حدودها المعلنة مع اضافة بعض التعديلات بشرط أن تكون هذه الصفقة هي الحل الدائم للمسألة الفلسطينية. هذا هو الفخ الحقيقي، واذا كانت القيادة الفلسطينية ترغب فعلاً بتجنبه فستدخل في حال حصار اسرائيلي شديد للمناطق الفلسطينية اضافة الى قطع الاتصال في ما بينها، واذا ما صمدت القيادات الفلسطينية امام الامتحان فستكون النتيجة توترا امنياً قد ينتهي الى صدام تعقبه مفاوضات ووساطة دولية - هذا في افضل الحالات. ولكن هذا السيناريو الصدامي ليس بحاجة الى اعلان دولة ليتحقق وممكن تحقيقه في هذه الايام... * اكاديمي فلسطيني، عضو الكنيست الاسرائيلية.