رئيس هيئة العقار: 1130 ترخيصاً للأجانب في Q3 من 2024    قوات الاحتلال تعتقل 20 فلسطينيًا من مدينة الخليل    خلال اجتماع وزاري.. أوروبا تتجه إلى تخفيف العقوبات عن سورية    إغلاق معمل لتحضير المأكولات الرمضانية في جدة    رئيسة وزراء إيطاليا تزور منطقة الحِجِر والمعالم التاريخية والأثرية في العُلا    "المياه الوطنية" تُطلق برنامج تقسيط توصيلات المياه المنزلية    إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وإيطاليا    عقار يبشر بإمكانية استعادة الرؤية للمصابين بتلف الأعصاب    السماح للأجانب بالاستثمار في أسهم الشركات العقارية المدرجة التي تستثمر في مكة والمدينة    الجامعة العربية: تحقيق الاستقرار والسلام من خلال تسوية القضية الفلسطينية    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة عشرة لمساعدة الشعب السوري    5 أسباب للتقليل من استهلاك الملح    «واتساب» تعتزم توفير ميزة الحسابات المتعددة لهواتف «آيفون»    7 خطوات بسيطة.. تملأ يومك بالطاقة والحيوية    نجل «سعد بن جدلان»: قصائد منسوبة لوالدي لم يكتبها    «النقانق والناجتس» تسبب العمى لطفل بسبب سوء التغذية    تحالف خليجي لتوطين التحكيم التجاري    «صراع الصدارة» الاتحاد والهلال يواجهان ضمك والقادسية    الجمعان ومستقبل النصر    بعد اشتباكه مع قائد الفريق.. مدرب ميلان: اللاعبون كالأطفال بحاجة للتأديب أحياناً!    «بيدري» برشلونة يقترب من دوري روشن    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    مطالبة بإلزام المرافق الخدمية ب «المولدات الاحتياطية»    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    ليلة تكريم جميلة مطرَّزة بالوفاء والإخاء    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة أخيه    مزارع الريف    مؤتمر «خير أُمّة»: محاربة الجماعات المنحرفة ومنعها من تحقيق أغراضها الباطلة    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون معالم المدينة المنورة    الرياض.. طفلة تحت المطر    46% من المشاريع للبناء والتشييد    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    أكذوبة محاربة الاحتكار الغربية    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    السعودية نجم «دافوس»    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    أمير منطقة القصيم يعزي أسرة الزويد.. ويوجه بتسمية قاعة بالغرفة التجارية باسمه    السعودية باختصار    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    المشكلة المستعصية في المطار !    طلال بن محفوظ - جدة    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    السعودية وسورية: الرهان على الشعب السوري!    عمل بعيد المدى لوزارة الشؤون الإسلامية    محافظ الخرج يستقبل الرشيدي    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر انقاذ السلام محاولة لسد الفراغ أم لإنقاذ أوسلو
نشر في الحياة يوم 14 - 08 - 1998

يعتقد المراقبون أن من أبرز الأسباب التي تحمل الإدارة الأميركية على الامتناع عن إعلان فشل مبادرتها المتعلقة بتحقيق تسوية إسرائيلية - فلسطينية، خوفها من تقلّص دورها في رعاية العملية السلمية، ثم تقدم الدور الأوروبي على أنقاضه، عبر "مؤتمر انقاذ السلام" الذي تدعو له مصر وفرنسا.
فبين الضغط على إسرائيل، أو الانسحاب من العملية السلمية بعد وصولها إلى طريق مسدود، اختارت واشنطن الاختباء خلف المصطلح الجديد الذي ابتكرته وزيرة خارجيتها Time Out، إذ يوفر لها الابتعاد الموقت عن العملية التفاوضية، ولكن من دون الانسحاب الكامل منها، وهي بذلك احتفظت بدور الرعاية، ولو من بعيد، كما تجنبت الضغط على الحكومة الإسرائيلية، ثم تركت كلاً من الطرفين "يقلع شوكه بيديه"، حسب ما أشار مسؤولون في إدارة بيل كلينتون، وفي الوقت نفسه حالت دون تقدم الدور الأوروبي أو بناء أية قاعدة ثابتة يرتكز إليها.
قد لا تكون تخوفات واشنطن بعيدة عن الحقيقة، إذا نظر إليها من زاوية الرغبة الأميركية في مواصلة فرض احتكارها لرعاية العملية السلمية، على رغم كل ما أصابها من تشوهات وأضرار، فوق تشوهاتها الخلقية، بسبب تحكم إسرائيل في مجرياتها.
فالمراقبون يرون أن أحد دوافع "مؤتمر انقاذ السلام" الضغط على الموقف الأميركي كي يصبح أكثر جدية وحزماً في التعامل مع الممانعة الإسرائيلية، مع أن المسؤولين الفرنسيين والمصريين لم يتركوا وسيلة ديبلوماسية أو اعلامية إلا واستخدموها لتطمين الولايات المتحدة واقناعها بأن المؤتمر المقترح وكل ما يتصل به لا بد أن يتم بالتوافق والتعاون الكاملين معها، كما أكدوا أن المؤتمر لن ينعقد إلا بعد اعلان واشنطن انتهاء مبادرتها وسحبها من التداول كلياً، وليس قبل ذلك. يحدث ذلك، على رغم ان "مؤتمر انقاذ السلام" لن يشتمل على آلية تنفيذ، كما تشير بعض التوضيحات الأولية المتناثرة المتعلقة به الصادرة عن باريس والقاهرة، بل أن مهمته تنحصر في تأكيد مبادئ التسوية السلمية التي ارساها مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو وإعادة ترميم أسسها نظراً للتآكل الذي أصابها مع مرور الوقت وعدم تحقيق أي تقدم. وهو لا يتعارض، ضمن هذه المواصفات العامة، لا مع المبادرة الأميركية "المتوفاة"، ولا مع أي مسعى أميركي تكون غايته الحقيقية تقريب عملية التسوية السلمية من أهدافها المرسومة.
بيد أن الأمر الأساسي الذي يستهدفه الاقتراح الفرنسي - المصري، الذي "تحول الآن من فكرة إلى مشروع"، على حد تعبير وزير الخارجية المصري عمرو موسى، هو ملء الفراغ الذي سيحدثه انهيار العملية السلمية وسحب المبادرة الأميركية من التداول، حتى لا تجد الأطراف المعنية بالتسوية نفسها في مواجهة حال من الفوضى والعنف تصعب السيطرة عليها. فالاحتقان الذي تشهده المنطقة منذ سنوات، تحت تأثير مشاعر الاحباط واليأس والنقمة، فضلاً عن الضغوط الإسرائيلية المتواصلة على حياة المواطنين العرب وأمنهم ومصادر رزقهم، مآله الانفجار، عاجلاً أو آجلاً، إذا لم تطرأ عوامل ايجابية تغيّر من طبيعة الوضع القائم وتقود إلى انفراج حقيقي. وإذا كان ذلك لم يحدث حتى الآن، فلأن هناك من لا يزال يعتقد بامكان تحقيق اختراق، من نوع ما، يؤدي إلى تجنب الانفجار، وأن يكون مثل هذا الاحتمال قد أصبح ضئيلاً جداً، بل مجرد وهم لا يختلف عن أحلام اليقظة.
وبهذا المعنى، فإن "مؤتمر انقاذ السلام" يعتبر استمراراً للمبادرة الأميركية، إذا كانت واشنطن تريد فعلاً تجنيب المنطقة أخطار الفوضى والعنف التي تتخوف منها أوروبا ودول المنطقة. لكن الحسابات الأميركية تأخذ منحى آخر كما يبدو. فملء الفراغ في الحالة الراهنة يعني تقويضاً أوروبيا عن الفشل الأميركي وليس خدمة للسياسات الأميركية المتعثرة، وهو موقف لا تستطيع الولايات المتحدة تقبله أو الموافقة على نتائجه المحتملة، نظراً لإصرارها على الانفراد بتقرير مصير المنطقة، فضلاً عن مناطق العالم الأخرى.
وتأكيداً لهذا الواقع، فإن الإدارة الأميركية رفضت حتى الآن الاعتراف بفشلها. وبدلاً من مواجهة هذه الحقيقة المرة وتحمل نتائجها، فضّلت الوقوف جانباً وإلقاء مسؤولية الفشل على الطرفين المعنيين، بالتساوي، في حين أنها تعرف جيداً أن الطرف الإسرائيلي يتحمل وحده مسؤولية الفشل، بالاضافة إليها هي، بعد ان قدّم الطرف الفلسطيني من التنازلات ما فاجأ الولايات المتحدة نفسها.
إن موقف المتفرج الذي اختارته واشنطن لا يتعلق فقط بالمبادرة الاميركية "المغيّبة"، بل ينسحب ايضاً على نشاط قد تقوم به اطراف اخرى، لتعويض الغياب الاميركي "الاختياري". ومن الطبيعي ان ينطبق ذلك على النشاط الفرنسي - المصري الراهن، باعتبار ان مصطلح "انقاذ السلام" يمكن ان يحمل معنى آخر هو "انقاذ سمعة الولايات المتحدة ودورها". وفي الحالات الطبيعية ينبغي ان يستحق مثل هذا الجهد والامتنان، ومن الطرف المعني على الاقل، وهو الادارة الادارة الاميركية، لكن عندما يكون المنقذ طرف منافس، كفرنسا، يصبح الامر مختلفاً تماماً. وهو ما عبّرت عنه واشنطن بلغة ديبلوماسية مناسبة، لكن بوضوح لا يحتمل اي خطأ او تأويل.
مع ذلك فإن مشكلة "مؤتمر انقاذ السلام" لا تقتصر على التناقض الاميركي - الاوروبي حياله، بل تشمل اطرافاً اخرى في المنطقة، ولكن لأسباب واعتبارات تختلف عن الاسباب والاعتبارات الاميركية.
فسورية، مثلاً، لا ترى اي فائدة من انعقاد مؤتمر كهذا، حتى ولو كان هدفه اعادة تأكيد مبادئ مؤتمر مدريد. ذلك ان ما تشكو منه الدول المعنية بالتسوية هو رفض الحكومة الاسرائيلية تنفيذ اية تعهدات او الالتزام بأية مواثيق او اتفاقات. والمطلوب في مثل هذه الحالة الذهاب الى مجلس الامن الدولي، او الى الهيئة العامة للأمم المتحدة، للبحث في وسائل اجبار اسرائل على الامتثال للارادة الدولية التي تمثّلها مجموعة قرارات موجودة، وفي مقدمها القرارات 242 و338 و425، وكذلك القرارات المتعلقة بحرية تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحماية حقوقه وارضه وأمنه.
كذلك فان الاهتمام يتركز، في هذه المرحلة، على انقاذ اتفاق اوسلو، لأن المبادرة الاميركية وكذلك النشاطات الدولية الاخرى الراهنة تنحصر في هذا الجانب فقط من التسوية السلمية. وفي مثل هذا الوضع لا تجد دمشق نفسها معنية كثيراً بالجلبة القائمة حالياً، باعتبار ان عملية اوسلو كانت اساساً خطوة انفرادية وترتب عنها إلحاق ضرر كبير بالقضية الفلسطينية وبجميع المسارات الاخرى. فلماذا تهبّ مع الآخرين لانقاذ هذه التجربة الفاشلة؟
انطلاقاً من هذه الملابسات، فان دمشق تعتقد بأن اي تحرك دولي لا يكون هدفه اجبار اسرائيل على تنفيذ تعهداتها السابقة، يعتبر مضيعة للوقت، بل يفتح ابواباً جديدة اخرى امام الحكومة الاسرائيلية للهروب والتلاعب وتمييع الموقف. ينطبق ذلك على المبادرة الاميركية التي تراوح مكانها منذ عدة اشهر. كما ينطبق على الاقتراح المتعلق ب "مؤتمر انقاذ السلام"، على رغم المقاصد الحميدة للدول التي تدعو اليه. ان مسألة "ملء الفراغ" بعد سقوط المبادرة الاميركية لا تشكل هاجساً لدمشق ولا لأطراف عديدة اخرى متضررة من استمرار الاوضاع الراهنة. قد تكون هذه الاطراف معنية بتقدم الدور الاوروبي، حتى يصبح موازياً للدور الاميركي، لكن الخوف من انفجار الوضع بسبب التعنّت الاسرائيلي، لا ينبغي ان يقتصر علىها وحدها، بل يجب ان يصبح هاجساً اسرائيلياً ايضاً، وبالقدر نفسه ان لم يكن اكثر. والا سيكون على الدول العربية ان تقدم المزيد من التنازلات لاسترضاء الحكومة الاسرائيلية.
وهنا تبرز اهمية توحيد الموقف العربي حول رؤية واحدة لمكامن الخطر ومسبباته واحتمالاته، قبل التوجه نحو المجتمع الدولي طلباً لمساعدته ودعمه.
* كاتب وصحافي لبناني مقيم في فرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.