في اليوم الرابع لمهرجان لوكارنو السينمائي انتهت بعد الواحدة صباحاً عروض الليل، المخصة لنتاج الجيل الثاني من المهاجرين الموزع في أرجاء اوروبا. افلام النهار عالجت حالات وموضوعات ساخنة وحياتية تطاول جماعات بشرية او أقليات مذهبية متصارعة، احدى قرى الصعيد المصري في الاول وحروب المذاهب في ايرلندا الشمالية في الثاني. وتندرج تجربة الجيل المهاجر ضمن منحى انتزاع اعتراف المشاهد الاوروبي به كحقيقة قائمة وكجزء من خطابه الاجتماعي والثقافي. الفيلم المصري "عرق البلح" للمخرج رضوان الكاشف استقبله الجمهور والنقّاد بالكثير من الثناء والتقدير، وبما يعزز حظوظه في نيل احدى جوائز المهرجان المهمة. فقد قدم الكاشف دراما شجية فيها القدر الكبير من الشجاعة والواقعية، وقد يعيد للسينما المصرية ردّ اعتبار بعد ان واجهتها سنوات عجاف. في فيلم لم يلجأ المخرج الى التلغيز والرمز والاستعانة بأمجاد وبطولات الماضي، بل وضع اصبعه على ظاهرة هجرة العمالة المصرية الى الخارج. تلك الظاهرة التي ترافقت مع عهد الانفتاح الاقتصادي في السبعينات وجرت وراءها شريحة واسعة وغير مهيئة من الناس لخوض تجربة جديدة عليها، تحت وعود واغراءات تحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي. الفيلم يدور حول من وقع في شباك هذه الوعود، ونموذجه تلك القرية المصرية التي أفرغت من رجالها لمقارعة مصيرهم الشخصي ومجهول السفر. يلخص الفيلم فكرته من ان شجرة البلح، والتي استعار منها الفيلم عنوانه، كمعادل للظل والبيت ومصدر الرزق الثابت، هي اكثر كرماً وسخاء من أوهام السفر وأقل إيلاماً من التغرّب. ومثله قارب المخرج روجر مايكل وعبر شريطه "مدينة التيتانيك" وهو عمله الاول بعدما عرف بأعماله المسرحية، قراءة سياسية للصراع الطائفي في ايرلندا الشمالية، وهي تطلّ على عتبة جديدة من مرحلة احلال السلام القلق فيها. اذ تجد ربّة بيت وأم نفسها محشورة في حالة دراماتيكية بين اطراف النزاع المتقاتلة، فتقرر جمع تواقيع الأمهات من اجل اعطاء فرصة للسلام وايقاف القتال العشوائي في النهار. لكن محاولاتها تدفعها الى دهاليز السياسية ومطبّاتها، عندما يُطلب منها لعب دور الوسيط بين الجيش الجمهوري لتحرير ايرلندا وممثل التاج البريطاني، ما يعرضها الى نقمة الوحدويين بعد ان يستهلكها الاعلام والجهات المتصارعة واتهامها باللاحيادية فتجمع عائلتها وتهرب الى مكان يضمن لأطفالها الأمان. لا يخلو فيلم مايكل من المحاباة لطرف على حساب الآخر، رغم تصريح مخرجه بالحيادية لموضوع سبق وان طرق في اكثر من عمل سينمائي. في حين تناول فيلم "لعبة كاذبة" او "التسلل" للفرنسي من اصل شمال افريقي كريم دريدي، "بيغال" و"مع السلامة" قصة الشاب انجي فيليب امبروزي الذي يعمل في نصب اجهزة الاقمار الاصطناعية ويحلم بإيجاد فرصة عمل كممثل لدور قاتل، فيلتقي بفتاة تدعى كونسي الاسبانية روزي دي بالما هي الاخرى لها نفس الهمّ. بعد سلسلة من المقابلات الفاشلة، يقرر انجي اقتحام شقة صديقته، فيجدها وقد استضافت ممثلين حقيقيين، فيلجأ الى احتجازهم وينتهي الفيلم بمقل صديقته واعتقاله. بينما يلتقط فيلم "سريع وغير مؤلم" للالماني من اصل تركي، فاتح اكن محنة ثلاثة شبان، افريقي وصربي وتركي، تخذلهم يومياتهم وجدران مدينة هامبورغ ليمتهنوا الجريمة بروح لا تخلو من التهكّم. الذي شاهد هذين الفيلمين يجدهما وقد استعارا من اساليب القطع والحركة السريعة من السينما الاميركية للوصول الى ذائقة المشاهد الاوروبي.