واصلت دول الخليج العربي جهودها لانشاء اتحاد جمركي. واعرب مسؤولون عن تفاؤلهم بتحقيق هذا المشروع الذي سيمهّد لتأسيس اكبر سوق مشتركة في الشرق الاوسط وأحد اكبر الاسواق الاستهلاكية فيها. وأعلنت لجنة خاصة شكّلتها دول مجلس التعاون الخليجي لاستكمال الاجراءات الخاصة بالمشروع انها ستستأنف اجتماعاتها في الرياض الاثنين المقبل وتقديم تقرير الى وزراء المال والاقتصاد الذين سيلتقون في وقت لاحق من السنة الجارية. وقال مسؤول في الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض: "ان اجتماع اللجنة، الذي يستمر ثلاثة ايام سيتركز على تصنيف ما تبقى من السلع الاجنبية المستوردة التي لا تزيد على 10 في المئة من اجمالي تلك السلع البالغ عددها نحو 1200 سلعة". واضاف في اتصال هاتفي مع "الحياة" ان مثل هذه الاجتماعات "تعتبر فنية أكثر منها اقتصادية لأنها تتعلق بعملية تصنيف بحتة وليس تحديد أي نسب للتعرفة الجمركية". واشار الى ان عملية توحيد التعرفة الجمركية في المجلس باتت مسألة وقت "اذ تمت ازالة معظم العقبات ونحن نسير ببطء لضمان نجاح المشروع لاننا نتحدث عن مشروع سوق يضم ست دول مستقلة وليس عن مشروع مصنع اسمنت او مرطبات". ومن المقرر ان يُعرض مشروع توحيد التعرفة الجمركية على الواردات الاجنبية مرة اخرى على زعماء دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماع القمة السنوية التي ستعقد آخر السنة في ابو ظبي. وكان المجلس الاعلى أقر المشروع خلال اجتماعه في الكويت العام الماضي وكلف وزراء المال والاقتصاد بمهمة تحقيقه في اقرب وقت. واشار خبراء اقتصاديون الى ان توحيد التعرفة سيؤدي الى قيام جدار جمركي مشترك سيولّد سوقاً خليجية مشتركة ستكون الاولى والاكبر من نوعها في الشرق الاوسط. واوضح تقرير حديث اصدرته منظمة الخليج للاستشارات الصناعية ومقرها الدوحة ان تلك السوق المشتركة ستكون من اكبر الاسواق الاستهلاكية في العالم اذ تقدّر وارداتها السنوية بأكثر من 70 بليون دولار كما انها تشكّل اكبر كيان نفطي في التاريخ. واضاف التقرير: "ان توحيد التعرفة الجمركية ستدعم موقف دول مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي للتوصل الى اتفاق تجارة حرة يتيح للمجلس الوصول الى الاسواق الاوروبية على اساس المعاملة بالمثل. ولا تزال المفاوضات مستمرة منذ اكثر من عشرة اعوام على رغم التنازلات التي قدمتها دول المجلس خصوصاً في مجال الاستثمارات المشتركة والقبول بمبدأ ازالة التعرفة الجمركية على الصادرات الخليجية تدريجاً بموجب جدول زمني طويل. واعرب خبراء اقتصاديون عن اعتقادهم بقرب التوصل الى اتفاق التجارة الحرة نظراً الى التقدم الحاصل في توحيد التعرفة في دول المجلس وقيام منظمة التجارة الدولية مشيرين الى ان اربع دول اعضاء هي الامارات وقطر والبحرين والكويت انضمت الى المنظمة وتسعى السعودية وعمان الى الحصول على عضويتها. وطالب الاتحاد الاوروبي مجلس التعاون اكثر من مرة بتوحيد التعرفة الجمركية لتسهيل التوصل الى اتفاق التجارة الحرة مما سيتيح لدول المجلس زيادة صادراتها من البتروكيماويات والالومنيوم وتخفيف الاعتماد على مبيعات النفط في دخلها الوطني. وترجع اسباب تأخر عملية توحيد التعرفة في مجلس التعاون الى تباين مستوى التعرف المشتركة نظراً لوجود فجوة كبيرة بين الدول الاعضاء في هذا المجال اضافة الى اصرار بعض الاعضاء على حماية المنتجات الوطنية. وابدت دول قلقها من انخفاض ايراداتها في حال تقليص التعرفة او الغائها على سلع معينة. وحسب مصادر رسمية هناك اتفاق أوّلي على متوسط تعرفة مشتركة ما بين ثمانية وعشرة في المئة والسماح للدول الاعضاء بفرض ضرائب مرتفعة على بعض السلع كاجراء حماية وتعويض الدول التي ستخسر من جراء خفض التعرفة على الواردات وذلك عن طريق صندوق جباية مشترك. ويعتبر الاتحاد الجمركي في مجلس التعاون اهم مشروع في الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي وقّعتها الدول الاعضاء بعد عامين من انشاء المجلس في ايار مايو 1981 وكان من المقرر ان يرى النور في غضون سنوات قليلة لكن ظروفاً سياسية واقتصادية حالت دون ذلك. وفي المجالات الاخرى خطت دول المجلس خطوات كبير لتحقيق تلك المشاريع ومنها السماح للمصارف بفتح فروع لها في الدول الاعضاء وتسهيل انتقال الافراد والسلع والعمالة ورفع القيود على حرية التملّك في مجالات الاسهم والعقارات وغيرها والحفاظ على ثبات سعر الصرف للعملات الوطنية وتقديم مزيد من الحوافز للمشاريع المشتركة. واشار محللون الى ان توحيد التعرفة بين دول المجلس وإزالة جميع الحواجز الجمركية وغير الجمركية سيسهم في زيادة التبادل التجاري بينها والذي لا يزال يشكّل اقل من 10 في المئة من اجمالي تجارة المجلس.