قرأت في عدد "الحياة" 12917 ليوم الخميس 22/3/1419مقالاً لراشد المبارك عنوانه "قراءة جريئة: شعر نزار قباني بين احتباسين" وأحسب ان القراءة بادئ ذي بدء قراءة عادية لا جرأة فيها ولا ما يميزها عن غيرها، اما الامر الثاني فيتعلق بلفظ احتباسين، وأحسب ان الكاتب يعني بهما الرأيين اللذين أوردهما في مقدمة مقالته: وأعني الرأي المقدس لنزار قباني والرأي الشرعي الذي يضع نزاراً وكل نزاري في موضعه الصحيح من حيث حكم الشرع على من جعل الذات الالهية تقدست وجلت والقرآن الكريم والنبوة والانبياء والسنّة الشريفة موضعاً للسخرية والعيب، ونزار قد بلغ مدى بعيداً من الضلال في ذلك وأطن ان راشداً المبارك يوافقني في ذلك. وقد وضع الكاتب راشد لنفسه اطاراً عاماً للكتابة في هذا الغرض وهو عنصرة الموضوع في اربعة عناصر اولها: "نزار متديناً" ونصب متدين هنا على الحالية، وهذا العنصر هو الذي استوقفني في مقالة راشد المبارك، وأعترف ابتداء بكل رضاء وفرح ان الكاتب قد صرح بتهافت دعاوى المدافعين عن نزار قباني حيال هجومه على مقدسات الاسلام، ولكن الكاتب - مع الاسف - لم يسم الاشىاء بأسمائها فلم يصرح بأن نزاراً قد اختلط شعره بالالحاد في اسماء الله تعالى وكتابه المنير وأركان الاسلام وأحكامه، فلماذا؟ وأجيب بأنني مطمئن الى ثبات ايمان الكاتب، ولكنها مقتضيات الاتيكيت الكتابي الذي لا يريد ان يخدشه الكاتب، وكي لا يوصف بأنه يحمل نظرة احادية مغلقة. ولكني اعلن هنا انني اغتبط كثيراً كثيراً بأن اوصف بأنني صاحب رؤية احادية مغلقة، لسبب بسيط هو ان الله تعالى قد علمنا ان نكون اصحاب رؤية احادية هي رؤية الاسلام الواحد. وقد اورد الكاتب كذلك تحت هذ القسم كلاماً تبريرياً لمحاولة الابقاء على المشروع النزاري في الساحة خمسة عشر قرناً كما بقي الارث الجاهلي خمسة عشر قرناً سابقة، ونقول رداً على هذا الرأي ودحضاً له: ان الشاعر الجاهلي الذي خبط خبط العشواء كان يعيش جاهلية جهلاء حتى لقد اصطبغت الحياة الجاهلية كلها بالوثنية، فقد ذكر ان مبلغ ما كان حول الكعبة من الاصنام ينوف على الستين وثلاث مئة من الاصنام، فهل النظرة الى الجاهلي هي هي الى رجل ولد مسلماً وعاش في بيئة اسلامية يحفه فيها القرآن والسنّة والصلوات والآذان وكل ما هو اسلامي - عجبي من انتكاس الرؤى. اما الاخطل الشاعر النصراني فلم يبلغ مقدار ما بلغه نزار قباني المنتسب الى بيت مسلم على منهاج اهل السنّة والجماعة، حينما جعل اكثر همه مهاجة المقدس المسلم، ومما يدل على ان نزار كان شديد الكره لكل ما هو من الاسلام انه يجعل منه هدفاً للسخرية والهدم في غزله ومدحه وهجائه وسياسياته ووطنياته وغربياته واجتماعياته الخ، فالامر تعدى كل الحدود. فكاره الشيء تظهر كراهيته له في كل احواله، وهذه من طبيعة الانسان، فأنا اكره الانحراف عن الاسلام، فكراهيتي هذه تتجلى في كل ما اكتب، وهكذا كاره الاسلام وكراهية نزار له تظهر رغماً عنه في كل ما يكتب، حتى لو كان الموضوع موضوع وصف زهرة. واما الاحتجاج بأن الخليفة الاموي قد قرّبه ذات يوم فلأغراض سياسية لا تخفى على فطنة الكاتب، ولم يكن الشاعر الاخطل يستطيع ان يقول في الاسلام ولا في عقائده ومقدساته ما لا يجوز قوله لا في حضرة الخليفة ولا في غيبته. ومن اخطر ما ورد في مقالة الكاتب راشد المبارك تحت قسم "نزار متديناً" - وهو عنوان ربما اوحى لمن لم يقرأ ما بعده من السطور ان نزاراً من اهل التدين وهو ما لا يريده الكاتب لأنه ليس كذلك. ما ختم به الكاتب هذا القسم من القول بأن الانحراف عن الاسلام بل والعبث به لا يوهنان من شاعرية الشاعر فهو كلام صحيح ولكن عند من لا يعترف بشمولية الاسلام - وحاشا الكاتب ان يكون منهم - وينحيه جانباً عند قراءة الشعر ومن ثم الحكم عليه، ولم يأت احد من النقاد الملتزمين بالتصور الاسلامي عند تناول شعر نزار قباني ليقول ان نزاراً ليس بشاعر، بل الجميع مجمع على شاعريته، ولكنها شاعرية شيطانية، اين منها شيطانية عزرا باوند او بودلير او بستمار او سواهم من شعراء الشر والرذيلة، بل لقد كانت شاعرية نزار قباني شاعرية هدامة لأنها قد عملت على مدى اربعين عاماً على تفتيت البناء القيمي والاخلاقي للامة، فهل هذه شاعرية ام خيانة عظمى؟ الجواب متروك لك ايها الكاتب. ان الادب او الشعر بل والفن عامة اذا لم يركن الى قيم أخلاقية راسخة ومتينة فهو عبث وهدم. ولا اظن خلافاً يمكن ان ينشأ بين اثنين حيال هذا الامر، الا مِن مَن لا أخلاق لهم وهؤلاء لا عبرة لأحكامهم ولا قيمة. ان الناقد المسلم الصحيح الانتماء لا يمكن ان يستبعد الاحكام الشرعية عند تناول الظاهرة الادبية والفنية والا كان كاذباً في انتمائه، كناقد مسلم، والله تعالى يقول "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما". وأما القول بأن الناقد القاضي الجرجاني قد اكد ان الدين بمعزل عن الشعر. فأخذ كل من دعا الى علمانية الادب عموماً والشعر خصوصاً وفصلهما عن الدين عند الحكم عليهما وتناول النقد لهما يستشهد بهذا القول على ان قاضياً مسلماً قد دعا الى الفصل بين الشعر والدين، فهو افتئات على الجرجاني لأنه انما اراد ان تديّن المرء او عدم تديّنه لا يرفع او يخفض في قدرة الشاعر وإمكاناته الفنية، بمعنى ان الشاعر لا يكون شاعراً متفوقاً في شعره اذا كان متديناً او صغيراً في شعره اذا لم يكن كذلك، ولم يعن الجرجاني ان الشاعر لا يحاكم الى الدين ولا يحتكم اليه في شعره، هذا ظلم وافتئات ارجو من الكاتب ان يراجع قلمه وعقله فيه. وأخيراً فلم يدر في خلد احد ان نزاراً سيزاحمه في الجنة كما قال الكاتب بالحرف: "ولن يأخذ نزار او غيره مقعد احد استحقه في الجنة" وهل بيان ضلال اهل الضلال انما الغاية منه ابعاد هؤلاء عن الجنة لكي لا يزاحموا محاربي الضلال؟ ارجو من الكاتب ان يعيد النظر في هذا القول الذي لا يستقيم مع العقل ولا مع ما نعلمه من ديننا بالضرورة، انني ارجو من الاخ الكاتب ان يراجع نفسه قبل القدوم على الله، لأن رضاء الله تعالى غاية دونها كل غاية. * كاتب سعودي