لطالما اعتبر المستشرق الفرنسي ميشال سورا الذي خطف في بيروت في 22 أيار مايو 1985، ويستمر الآن البحث عن رفاته على طريق مطار بيروت الدولي، أنه يبحث في تاريخ وثقافة ومجتمع، سيجد فيها أشياء مهمة جداً ليقولها للعالم. وكان سبب حلوله ضيفاً دائماً على هذه الثقافة، يقينه أن في ذلك اغناء عميقاً لمتوسطيته التي كانت سبباً لانحيازه الى البحث في مجتمعات المنطقة. وهذا الانحياز اعتبره بعضهم مجافياً لموقعه كباحث. ولد ميشال سورا عام 1947 في مدينة تونس من أب كان يعمل في المستعمرات الفرنسية. والولادة كانت صلته الأولى بالعالم العربي، وبعدما عاش قسماً من طفولته في تونس عاد مع عائلته الى فرنسا، تحديداً الى بلدة صغيرة في ضواحي مدينة ديجون. درس سورا في مدينتي ديجون وليون، ونال اجازة في علم الاجتماع، بدأ بعدها دراسة اللغة العربية. وبعد انهائه شهادة الجدارة، نال منحة من جامعته لاستكمال دراسة اللغة العربية في المعهد الفرنسي في دمشق حيث عاش نحو أربع سنوات، أعدّ أثناءها رسالة الدكتوراه عن الفكرة القومية عند ساطع الحصري. وأثناء اقامته في دمشق تعرف سورا الى ماري معمرباشي ابنة أحد كبار تجار مدينة حلب، التي اصبحت زوجته. أنهى أطروحة الدكتوراه عام 1976 أي بعد اندلاع الحرب اللبنانية بسنة، وانتقل الى بيروت للعمل في مركز الدراسات والأبحاث للشرق الأوسط المعاصر. وعاش مع عائلته في بيروت نحو عشر سنين بينها الشهور السبعة التي خطف فيها وتوفي في نهايتها. خلال اقامته في بيروت كان على صلة بحثية وثيقة بالفلسطينيين، وهو أول من ترجم الى الفرنسية أدباً فلسطينياً، فنقل رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس" وتعاقد مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية على أبحاثٍ لم تستكمل بسبب خطفه. كان موقفه حاداً من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وعلى رغم عنف الأحداث والحروب التي شهدتها اعوامه العشرة في بيروت، كان بقاؤه فيها خياراً أخلاقياً وثقافيا. ملك سورا قدرة على الاندماج بالظواهر التي درسها فاقت قدرة الباحثين المحليين. فنشر دراسة طويلة عن أحد التنظيمات الإسلامية في مدينة طرابلس عنوانها "لجان الأحياء في باب التبانة"، وخلال اعدادها صادق رئيس هذا التنظيم خليل عكاوي. وكان يقيم في منزله أياماً عدة خلال زياراته لطرابلس. وكلما زادت الحرب احتداماً ازداد عدم اكتراثه بها، وفي السنة الأخيرة من حياته شعرت زوجته بضرورة انتقالها من بيروت مع ابنتيهما الكسندرا وليلى. لكنه كان مصراً على العيش حياة كاملة فيها. أواخر نيسان ابريل 1985، دعي سورا مع مجموعة من الباحثين اللبنانيين والعرب والغربيين الى ندوة في مدينة أغادير في المغرب التي عاد منها الى باريس لزيارة أهله هناك والتقى للمرة الأخيرة زملاء باحثين ومستشرقين أمثال ميشال فييه فيوركا، وجيل كيبيل الذي أوصله الى مطار أورلي ليغادر منه الى لبنان برفقة صديق له، هو الصحافي جان بول كوفمان. وروى كيبيل لاحقاً كيف أوصل سورا الى المطار، موضحاً ان آخر مشهد بقي في ذهنه هو كيف أن سورا كان يحمل دباً دمية كبيراً هدية لابنتيه، وكيف أن الدب لم يدخل بسبب ضخامته عبر الحاجز الالكتروني في المطار، فحمله سورا بيده ودخل به الطائرة. وصلت الطائرة الى بيروت، لكن سورا وصديقه كوفمان لم يصلا الى المنزل، وبعدما أكدت دوائر الأمن العام وأمن المطار خروجهما من المطار، أعلنت منظمة "الجهاد الإسلامي" خطفهما. وكانت أعلنت قبل شهرين خطف موظفين في السفارة الفرنسية في بيروت. في الأسابيع الأولى لخطفه، تمكنت عائلة سورا من مراسلته والاطمئنان اليه، وفي الأسبوع الثالث استطاع ناقل الرسائل تأمين زيارة سورا برفقة وسطاء لمنزله حيث تناول العشاء مع زوجته وابنتيه وأخذ معه الى مكان احتجازه كتباً وأوراقاً بينها مقدمة ابن خلدون. وبعد هذه الزيارة اقتصرت رسائله الى عائلته على ثلاث انقطعت بعدها أخباره. في 10 آذار مارس 1986 وزعت منظمة "الجهاد الإسلامي" بياناً مرفقاً بصور أعلنت فيه "اعدام العميل الغربي ميشال سورا".