كثيرون من القراء العرب في الخمسينات والستينات وربما حتى أيامنا هذه يعرفون فيليكس فارس، لمجرد ان اسمه موجود على غلاف كتاب "هكذا تكلم زرادشت" كتاب الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه الذي، لسبب لا يمكن أبداً تحديده، يمكن اعتباره واحداً من أكثر الكتب المترجمة إلى العربية مبيعاً طوال تلك الفترة. وكانت ترجمة فيليكس فارس للكتاب في حد ذاتها سبباً كافياً لإدخاله المجد، خصوصاً أن هذه الترجمة العربية الشهيرة كانت، وربما لا تزال، تباع على عربات بائعي الكتب الرخيصة الثمن. ولئن كان قراء العربية يعرفون اسم فيليكس فارس على ذلك النحو، فإنهم دون أدنى ريب لا يعرفون عنه أكثر من كونه مترجم كتاب نيتشه، ومع هذا فإن فارس، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1939، والناس مشغولة باندلاع الحرب العالمية الثانية، كان أكثر من مجرد مترجم - عن الفرنسية - لكتاب ألماني. كان واحداً من ألمع أدباء عصره، ومفكراً من ذلك الرعيل اللبناني الذي وجد في مصر مستقراً له، بعد تجوال في مناطق عدة من العالم. والمعروف ان فيليكس فارس عاش خلال السنوات الأخيرة من حياته في الاسكندرية، بعد أن تجول بين حلب واسطنبول وأميركا. وفارس، الذي توفي في "عروس الساحل المصري" الاسكندرية، كما كان يسميها في مراسلاته، كان ولد قبل أكثر من سبعة وخمسين عاماً من ذلك في قرية صليما في المتن اللبناني لاب هو حبيب فارس كان بدوره أديباً وخطيباً عمل لفترة من الزمن سكرتيراً خاصاً لرستم باشا متصرف جبل لبنان. أما والدة فيليكس فكانت فرنسية عشقت لبنان وأقامت فيه. ولد فيليكس في العام 1882، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة بعبدات ومنها تخرج وهو في السادسة عشرة من عمره متقناً العربية والفرنسية بإجادة، فعمل في التعليم في الوقت الذي راح ينشر فيه المقالات والخواطر الأدبية في بعض صحف تلك المرحلة مثل "أنيس الجليس" و"مجلة سركيس". وهو في العام 1909 وجد في نفسه القدرة على أن يحلق بجناحيه فأنشأ في ذلك العام صحيفة باسم "لسان الاتحاد" كانت في البداية أسبوعية، ثم حولها إلى يومية، لكنه بعد أكثر من عام بقليل وجد نفسه مرغماً على ايقاف صدورها والالتحاق بوظيفة رسمية في مدينة حلب حيث عمل مدرساً في المكتب السلطاني في عاصمة الشمال السوري. وهو بقي هناك حتى الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، مواصلاً الكتابة في الصحف، وبادئاً في ترجمة العديد من الكتب عن الفرنسية كان أولها، كما يبدو، كتاب عن "ارتقاء المانيا في فترة الخمس والعشرين سنة الأخيرة". وفي حلب تعلم التركية ثم اتصل بقيادة الحركة العربية التي كانت تتخذ من اسطنبول مقراً لها وعيّن سكرتيراً لجعفر باشا العسكري أحد قادة تلك الحركة. ويبدو أنه أقام في تلك الآونة بالذات علاقات جيدة مع الفرنسيين، الذين كانوا في طريقهم لأن يحلوا مكان العثمانيين الأتراك في السيطرة على سورية ولبنان. وبالفعل كسب فارس رهانه، وانتقل من التعاون مع الحركة العربية، إلى العمل تحت ظل الفرنسيين. وضمن هذا الإطار ارسله الجنرال غورو، الحاكم العام الفرنسي لسورية ولبنان، في العام 1921 وبعد ان استتب الأمر للفرنسيين بالقضاء على حلم الأمير فيصل في إقامة مملكة عربية، ارسله إلى بلاد المهجر الأميركي مع جان دبس، وكانت مهمته أن يروج للانتداب الفرنسي في سورية ولبنان، بين أعيان المهجر وأدبائه. وبالفعل توجه فارس إلى الولاياتالمتحدة حيث اختلط بالأدباء والكتّاب وواصل نشر مقالاته وخواطره هناك بضع سنوات قبل أن يقرر في نهاية الأمر العودة إلى الشرق العربي. عاد إلى سورية ثم إلى لبنان متنقلاً بينهما، ثم استقر بعض الوقت في لبنان حيث اعتزل الوظيفة الرسمية التي عيّن فيها من قبل السلطات الفرنسية، واحترف المحاماة في الوقت الذي راح يترجم العديد من الكتب وينشرها. وفي العام 1931 قادته ظروفه لأن يترك لبنان مرة أخرى، حيث سافر إلى الاسكندرية وعين رئيساً لقلم الترجمة في مجلس بلديتها، وهو العمل الذي ظل يشغله حتى نهاية حياته في 17 تموز 1939. إذا كان "هكذا تلكم زرادشت" المنشور في العام 1938 في الاسكندرية، هو أشهر ما ترجم فيليكس فارس، فإن له أيضاً في ميدان الترجمة "اعترافات فتى العصر" لالفريد دي موسيه، إضافة إلى كتابه الذي ذكرناه أعلاه عن ارتقاء المانيا. وله في ميدان التأليف رواية "الحب الصادق" 1928، وقصة "شرف وهيام" وكتاب "النجوى إلى نساء سوريا"، كما ترجم إلى العربية قصيدة "رولا" المشهورة لألفريد دي موسيه، ووضع كتاباً فكرياً - سياسياً بعنوان "رسالة المنبر إلى الشرق العربي" كان في الأصل محاضرة ألقاها في الاسكندرية ودعا فيها إلى إحياء القومية في الشرق.