لولا إشارات عابرة، هنا وهناك، في بعض صحف بيروت، لما أمكن استنتاج ان لبنان مقبل على انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أقل من اربعة اشهر. اللبنانيون المغرمون بالسياسة وحرتقاتها، وبالتحليلات والتوقعات، كما أظهرت الانتخابات البلدية قبل اسابيع والانتخابات النيابية قبل سنتين، يتناسون الاستحقاق وكأنه لا يعنيهم. ويندفعون الى الانغماس في قضايا جانبية، تثار دورياً، ربما للتعويض عن هذا التناسي. ليمر موسم الصيف بهدوء ومن دون خضّات كبيرة، وفي مطلع الخريف اي قبل اسابيع وربما ايام من الاقتراع يكون لكل حادث حديث. هكذا يردّ معظم اللبنانيين المعنيين بهذا الاستحقاق، بعد اندفاع كبير قبل اشهر للانخراط فيه. ولا سر في ذلك سوى النصيحة السورية بعدم طرح الموضوع "قبل أوانه"، وتوافق الرؤساء الحاليين للجمهورية والمجلس النيابي والحكومة على تفويض هذا الأمر لدمشق. التزم الجميع علناً هذه النصيحة، اذ ان عكس ذلك قد يترجم استبعاداً من السباق، سواء بالنسبة الى المرشحين انفسهم او بالنسبة الى العرّابين. لكن لكل خطوة يخطوها اي معني بالشأن العام تلوح في خلفياتها والدوافع اليها، هواجس الاستحقاق. مما يجعل العمل العام، ولو بعيداً عن السياسية، تمريناً في غاية الصعوبة. المرشحون الموارنة الذين يكون الرئيس العتيد منهم، بحسب العرف والاتفاق، لا يقلّ عددهم كثيراً عن عدد الناخبين الرسميين ينتخب رئيس الجمهورية اعضاء المجلس النيابي البالغ عددهم 129. ولا ضرورة ان يعلن المرشح مسبقاً ترشيحه، اذ يتيح الدستور للنواب انتخاب من يرغبون فيه، ولو لم يكن مرشحاً رسمياً، شرط ان يكون من الطائفة المارونية والاّ يكون موظفاً في الدولة قبل 6 اشهر من الاستحقاق ثمة اتجاه لتعديل مادة دستورية لإتاحة الفرصة لانتخاب القائد الحالي للجيش. وفي ظل هذه الممارسة، المفترض ان تكون ديموقراطية، تغيب البرامج المعلنة، ويغيَّب معها الاختيار ولو شكلاً، وهو الركن الاساسي للانتخاب. كثرة الطامحين وقلّة الناخبين وغياب البرامج، كل ذلك لا يسهّل بالضرورة انتخاب من يلقى الاجماع الداخلي ومن يتمتع بتمثيل شعبي اوسع. لا بل قد يكون مثل هذه الصفات معوّقات اضافية امام من تتوافر فيه. فكل الاعتبارات المحلية المفترض ان تحمل النواب على الاقتراع لشخص ما، لا قيمة لها مع التفويض الذي يقال عنه، تهذيباً، الاعتبارات الاقليمية. وتجربة السنوات التسع من عمر العهد الحالي اظهرت ان الاعتبارات الاقليمية طغت على القرارات، وان كانت ذات صفة محلية بحتة. فالتحكيم الاقليمي ظل المرجع الاخير، ليس في قضايا خارجية تهمّ مصلحة مشتركة فحسب، وانما ايضاً في الاهتمامات المحلية الضيّقة. ليس عيباً الأخذ في الاعتبار للهواجس الاقليمية. بل لا يمكن الاّ ان تدخل هذه الهواجس في الحساب عندما يتعلق الامر بانتخابات رئاسية، ليس في لبنان فحسب وانما في اي بلد. ولكن عندما يُنظر الى المؤهلات الشخصية والوطنية للمرشح على انها تتعارض مع الاعتبارات الاقليمية، لا يعود الأمر يتعلق بتنافس مشروع وعملية انتخابية.