لا يكاد العلم والإيمان ينفصلان عن بعضهما بعض وإن اعتقد كثر أنهما لا يلتقيان أو أنهما على وجهي نقيض في حين يرى كثر أيضاً أنهما في المنظور الإسلامي لا يفترقان عن بعضهما وهما وجهان لعملة واحدة ويتداخلان في أحيان كثيرة بسبب عمق الوشائج بينهما. وعمل الكثير من الباحثين على إظهار مسائل العلم والدين وخصوصاً في القرآن الكريم، ومنهم الباحثان محمد جميل الحبال ومقداد مرعي الجواري في كتابهما "العلوم في القرآن" الصادر حديثاً عن دار النفائس في بيروت. وعمل الباحثان على إحصاء الآيات العلمية في كتاب الله وهي تبلغ نحو 1200 آية، أي بنسبة 20 في المئة من المجموع الكلي لآيات القرآن والبالغ 6236، وصنفاها بحسب الموضوعت التي تنطوي عليها من العلوم الطبية والفيزياء الى علم طبقات الأرض وعلوم البحار والأنهار وغيرها. ويرى المؤلفان ان "القرآن ليس كتاباً متخصصاً في علم من العلوم الطبيعية أو التجريبية كالطب والفلك والأحياء أو موسوعة لهذه العلوم، بل هو فتح العقول على العلم إذ وردت فيه آيات مباركات عديدة ذكر الله فيها بعض الإشارات المتعلقة بهذه العلوم إما بصورة مباشرة، تصريحاً، وإما بصورة غير مباشرة، تلميحاً. إضافة الى آيات تشجع العلماء على البحث العلمي وتدعوهم للنظر والتدقيق والتفكر في ظواهر الكون ومخلوقاته". ويعتبران العصر الحاضر بما أنه عصر علم وتكنولوجيا ولغته لغة العلم ولأن القرآن الكريم هو كتاب هداية للناس كافة وليس مقتصراً على الناطقين بالعربية فقط، كان من اللازم على المسلمين إظهار أوجه إعجازه المتعددة الأخرى وخصوصاً البرهان العلمي الذي أصبح أوضح نتيجة التقدم الحاصل في العلم والتكنولوجيا. وأحصى الباحثان في كتابهما 416 آية في العلوم الطبية وفي الفيزياء 138 والأحياء 130 والفلك والكون 105 والجغرافيا 98 والزراعة 89 والرياضيات 79 وعلم طبقات الأرض 69 وعلوم البحار والأنهار 35 ووسائط النقل 28 وأصل الإنسان وبقية المخلوقات 27 والهندسة 12 والكيمياء 12 ولغة الحيوان 8. ويوضحان أن أكثر من عشرين آية تنطبق على جميع العلوم المذكورة وأن 170 آية قد تكرر ذكرها في موضوعات علمية عدة. ويوضح الباحثان أن العديد من الدراسات تناولت موضوعات علمية وبذل أصحابها جهوداً متميزة في مجالاتها. وقد اعتمداها في دراستهما ولكنها لم تكن شاملة لجميع آيات القرآن الكريم وسوره أو الموضوعات العلمية كافة. لذلك قاما بجمع هذه الآيات وتصنيفها بحسب موضوعاتها العلمية في جداول وأدخلاها في نظام حاسوبي لتسهيل دراستها والإطلاع عليها ولتكون منهجاً تربوياً إسلامياً يصلح تدريسه أو الإستشهاد به". ومن الآيات التي عمل عليها المؤلفان، على سبيل المثال آية عن ضيق الصدر في أعالي الجو: في قوله تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون". ففي هذه الآية إشارة غير مباشرة الى قلة الضغط الجوي والأوكسيجين كلما زاد الإرتفاع في السماء، مما يؤدي الى الضيق والحرج في الصدر "التنفس"، فعند الإرتفاع لمسافة 2500 متر عن سطح الأرض ينخفض فيه تشبع الدم الشرياني بالأوكسيجين الى 93 في المئة ويتبع ذلك استشعار مستقبلات الجسم الكيميائية لهذا النقص مؤدياً الى زيادة مرات التنفس فترتفع من 12 - 16 مرة بالدقيقة في الظروف الاعتيادية الى نحو 60 مرة في الدقيقة كحد أقصى. وعند الإرتفاع الى مسافة 3000 متر يعاني الإنسان مزيداً من صعوبة التنفس وتتلاحق أنفاسه وتسرع ضربات قلبه وتصبح حالة حرجة جداً ما لم يتوافر الأوكسيجين الكافي.