قبل ذلك بشهر كانت الغواصات الألمانية اغرقت سفينة الركاب الانكليزية "لوزيتانيا" التي كانت تقل اكثر من ألف ومئتي راكب على خط نيويورك - ليفربول، فقضى غرقاً نحو ثلثي الركاب وغضبت الحكومة الاميركية غضباً شديداً وان لم تعترف بأن اغراق الالمان للسفينة لم يكن عشوائياً بل انها كانت تحمل، في الواقع كميات كبيرة من الذخائر مشحونة من الولاياتالمتحدة الى بريطانيا التي كانت في ذلك الحين تخوض حرباً شرسة ضد الالمان. من هنا حين اصدر الامبراطور الالماني غيوم الثاني، يوم الخامس من حزيران يونيو 1915 قراره بالمنع الكلي لإغراق سفن الركاب المدنية، سواء اكانت سفناً محايدة ام تابعة لأمم معادية، كانت غايته من ذلك ان يحول دون قيام رد فعل أميركي عملي يؤدي الى دخول الولاياتالمتحدة الحرب الى جانب الحلفاء. فالحال ان من اصغى الى عنف البيانات الاميركية الاحتجاجية اثر اغراق "لوزيتانيا" كان في إمكانه ان يفترض ان الخطوة التالية ستكون تخلّي واشنطن عن حيادها الذي كانت التزمت به حتى ذلك الحين. ولما كان الامبراطور الالماني يخشى حقاً دخول واشنطن الحرب، لذلك نراه يتدخل للمرة الاولى منذ بداية الحرب في السياسة امام دهشة وزرائه ومستشاريه، ليصدر ذلك البيان الصارم الذي كان على الحكومة الالمانية ان تلتزم به مهما كلفها ذلك. ولئن كان السياسيون الالمان مضطرين للاستجابة لأمر الامبراطور صاغرين، فإن العسكريين رأوا في ذلك اضعافاً لهم في وقت كانت فيه البحرية الالمانية مشلولة الحركة بفعل الحصار الذي تمارسه البحرية البريطانية على الموانئ الالمانية او الحليفة للالمان. وهكذا، حين عجز الاميرال الالماني ألفريد فون تيربيتز عن اقناع القيادة بضرورة مواصلة اغراق السفن، حتى ولو كانت مدنية، قدم استقالته معلناً ان استخدام الامكانات المتاحة بفعل سلاح الغواصات هو الوحيد القادر على ان يجوّع الانكليز ويجعل بريطانيا العظمى تخرّ على ركبتيها. بالنسبة الى فون تيربيتز كان من الضروري التعجيل بالامور وضرب البريطانيين حتى ولو ادى ذلك الى استفزاز الاميركيين. ومن هنا كان رد الامبراطور على استقالة الاميرال، انه وجه لوماً قاسياً للقيادات العسكرية قائلاً انه يشم في الامر رائحة مؤامرة عسكرية لن يكون من شأنها في نهاية الامر الا ان تضعف السلطة الالمانية وتنهكها مما قد يكون من شأنه ان ينقل السلطة الفعلية الى العسكريين. وهو في الوقت نفسه امر الاميرال بأن يظل في منصبه قائماً بمهامه. المستشار الالماني بثمان - هولفغ وقف الى جانب الامبراطور، وأصدر قراراً بمنع اغراق اية سفينة مدنية من الآن وصاعداً، حتى ولو كانت سفينة تابعة لدولة معادية. غير ان السلطات الالمانية العليا اتفقت على ان يبقى الامر مكتوماً والا يعلن على الملأ، ذلك لأن الحكومة كانت تخشى ان يسيء الالمان فهم القرار ويشمئزوا منه، خصوصاً في وقت كانت فيه الدعاية الحربية الالمانية لا تكف عن تمجيد سلاح الغواصات مقدمة اياه على اساس انه السلاح الهائل والعجائبي الذي سيكون من شأنه ان يؤمن، لألمانيا، النصر الاكيد. وفي الوقت نفسه كان المطلوب من المعارضة اليمينية ان تسكت عن القرار الامبراطوري، وذلك لأن زعماء الاحزاب المحافظة، وكذلك احزاب الوسط والقوميين - الليبراليين، كانوا جميعاً من مؤيدي الاستخدام اللامحدود لسلاح الغواصات، بوصفه انجع سلاح ضد محاصرة بريطانيا العظمى للموانئ الالمانية. والحال ان الحكومة الالمانية تمكنت بفضل مهارة اعضائها كما بفضل قوة الضغط لديها، ناهيك عن الرقابة العسكرية على الاخبار، تمكنت من ان تحيط الامر الامبراطوري بالكتمان. ولكن كان عليها في الوقت نفسه ان تخفي النبأ عن الخارج، بمعنى انه لا يجب ان يعرف الاميركيون والبريطانيون، خصوصاً، ان الغواصات الالمانية سوف لن تزعج وترعب سفنهم المدنية بعد الآن. وكان الالمان من الناحية الديبلوماسية يدركون ان انتشار خبر الامر الامبراطوري سوف يجعل واشنطن ولندن تعتبرانه اعترافاً صريحاً من ألمانيا بأنها هي المسؤولة عن اغراق السفينة "لوزيتانيا"، وهو امر لم تكن ألمانيا اقرت به حتى ذلك الحين. مهما يكن فإن الحكومة الالمانية على رغم تكتمها على الامر، وجدت ان من الانسب، في الوقت الحاضر على الاقل، ان تبلغ الرئيس الاميركي ويلسون بقرارها السري معلمة اياه عن تفضيلها ان لا يعلن القرار. فبلغ ويلسون به وكتمه لفترة طويلة. وابلاغ الالمان القرار لويلسون ساهم في الحقيقة بتأخير دخول الولاياتالمتحدة الحرب في ذلك الحين.