مع خسارة الفريق السعودي خسارة مؤلمة أمام الفريق الفرنسي ليصبح أول فريق يخرج من بطولة العالم في كرة القدم، كنت أفضل أن أتحدث اليوم عن شيء آخر، إلا أن الكرة تظل أفضل من حديث السياسة وأخف وطأة. كنت في ضيافة صديق سعودي، وفريق بلاده يخسر أمام الحكم والفريق المنافس، وهو علق قائلاً إن الخطة السعودية كانت أن يرتدي اللاعبون قمصانهم مقلوبة، فظهرها إلى الأمام، وصدرها إلى خلف، لارباك اللاعبين الفرنسيين وجعلهم يعتقدون ان اللاعبين السعوديين يجرون إلى خلف، فيما هم يتقدمون. وأضاف ان المشكلة هي أن حارس المرمى السعودي اعتقد نتيجة لهذه الخطة أن الأهداف التي تسجل في مرماه ستحسب ضد الفريق الفرنسي، لذلك فهو سمح لأربعة أهداف بهز شباكه، مع أنه كان يستطيع ايقافها بسهولة. وقد سرنا في "الحياة" أن المباراة تأخرت عن موعد طبع الجريدة اليومي، فلم نضطر أن "نزّف" بشرى الهزيمة في حينها. وأعرف ان شرّ البلية ما يضحك، لذلك أكمل بمعلومات غريبة بعث بها إليّ القارئ حسين الدهّان عبر الانترنت، لعلها تُنسي المتفرج السعودي مصيبته بأداء فريقه. قال القارئ الدهّان إن البرازيل ربحت الكأس آخر مرتين سنتي 1970 و1994، ومجموعهما 3964، وربحت الأرجنتين الكأس آخر مرتين سنتي 1978 و1986 ومجموعهما 3964. وربحت ايطاليا الكأس سنة 1982، فإذا ضربنا هذا الرقم باثنين كان المجموع 3964. وربحت انكلترا الكأس سنة 1966، وهي ستربح هذه السنة لأن 1966 زائد 1998 هي 3964. هل تفوز انكلترا بالكأس هذه السنة؟ لا أعرف ولا يهمني، فأنا كمتفرج عربي سأنتصر للفرق العربية، واحداً بعد الآخر، إلى حين خروجها أو فوزها. فإذا خرجت، كما هو متوقع، انتقل إلى فرق المستضعفين من العالم الثالث. ما أعرف هو أنه حيث هناك كرة انكليزية هناك شغب كروي، ويبدو ان الانكليز قرروا أن يعوضوا عن ضعفهم في الملاعب بالضرب والتكسير حولها. وقد قرأت كثيراً منذ أعمال الشغب في مرسيليا، وأتوقع مثلها في تولوز، غير أن الإنسان لا يحتاج ان يسأل علماء نفس أو يحاول ان يتذكر ما تعلم من تلك المادة في الجامعة، فأعمال الشغب سببها الخمرة ولا شيء غيرها. الانكليزي يشرب كأنه أكل سلّة فسيخ، وهو يشرب حتى يذهل عن نفسه فتخرج كل كوامن هذه النفس إلى السطح. وبما أنه في حياته العادية محافظ جداً ومتحفظ وكتوم، فإنه عندما تخرجه الخمرة عن طوره، يصبح العكس تماماً. وإذا كان الانكليز ربحوا وخرّبوا مرسيليا فماذا سيفعلون إذا خسروا في تولوز أو غيرها؟ هم بالتأكيد خسروا فرصة استضافة كأس العالم سنة 2006 بعد أن ذكرت أعمال الشغب الفرق الأخرى ما كانت تحاول أن تنسى. ومكاتب الرهان تقبل رهانات على كل ما له علاقة بكأس العالم، وفي مجالات لا تخطر ببال العربي، إلا أننا لا نراهن مع ان الرهان ضد أن تستضيف انكلترا كأس العالم يبدو مضموناً. كنت أتابع المباريات على محطة فضائية وفوجئت بأن المعلقة هي في الواقع مجرد قارئة حسناء تقرأ من شاشة أمامها تضيف إلى كل معلومة عن أي مباراة الرهان عليها، فهناك رهان على النتيجة طبعاً، ثم رهان على عدد الأهداف، وعلى من يسجل أولاً، وعلى لاعبين معينين، مثل رونالدو، فهل يسجل أول هدف أو الثاني، وهل يسجل هدفاً واحداً في المباراة أو اثنين أو ثلاثة. بل هناك رهانات حول ما إذا كان أحد المدافعين سيسجل هدفاً، أو إذا كان أحد لاعبي فريق خلال مباراة معينة، سيسجل هدفاً في شباك فريقه خطأ وهذا ما حدث غير مرة في البطولة الحالية. وكما يفسد الشغب الفرجة الحيّة على المباريات، فإن الرهان يفسد الفرجة على التلفزيون. وقد أصبحت سهولة السفر والانتقال من مكان إلى آخر تمكن أي مشاغب عاطل عن العمل من أن يسلّي نفسه بإفساد تسلية الآخرين، كما ان التكنولوجيا الحديثة تسهل المقامرة من المنزل، ومن دون حاجة إلى جهد الانتقال إلى مكتب لإحدى شركات الرهان، وهو قريب أصلاً. هل هذا تقدم؟ البطولات القديمة كانت أعلى في روحها الرياضية، داخل الملعب وخارجه، وقد شهدت مع زوجتي كأس العالم في ميونيخ سنة 1974، وكانت حاملاً في الشهر الثامن. وانتقلنا من برلين إلى شتوتغارت وفرانكفورت وانتهينا في ميونيخ، ولم نواجه مشكلة سوى الزحام حول الملاعب. وكانت المباراة النهائية تلك السنة بين المانيا وهولندا، وبلغ سعر التذكرة في السوق السوداء أكثر من ألف مارك، فقررت زوجتي في البداية بيعها وشراء معطف فرو بثمنها، إلا أنها عادت فحضرت المباراة النهائية بعد أن تأثرت بجو البطولة، وفازت المانيا بهدفين مقابل هدف واحد، ووقف الألمان مع اطلاق الصفارة الأخيرة يهنئون بعضهم بعضاً ويتعانقون، ونالنا نصيب وافر من التهاني والعناق، وعدنا إلى بيروت بذكريات ليس فيها شغب أو قمار أو خمرة، بل رياضة خالصة