كعادة إنكلترا مع نهائيات كأس العالم لكرة القدم كل أربع سنوات، «يغزو» العلم الوطني نوافذ المنازل وسطوح السيارات وملابس المشجعين، وتحتل أخبار منتخب «الأسود الثلاثة» صدارة الأخبار في الصحف والتلفزيونات. وكعادة إنكلترا في مثل هذه المناسبة، تتهيّأ الشركات لتسجيل ارتفاع كبير في «الإجازات» الطارئة لموظفيها الذين «يمرضون» فجأة أو يطلبون إجازات غير مدفوعة بهدف التمكن من البقاء في البيت و «الاستمتاع» بمباريات الفريق الوطني التي تنقلها مجاناً شاشات التلفزيون المختلفة مباشرة من جنوب أفريقيا. وكما في كل مونديال، ستلحق «جحافل» من هؤلاء المشجعين بالفريق الوطني إلى القارة السمراء، سواء كانوا يحملون بطاقات تؤهلهم لحضور مباريات الفريق الإنكليزي أم لا. ويُقدّر عدد المشجعين الإنكليز الذين لحقوا بفريقهم إلى جنوب أفريقيا - أو هم في الطريق إلى هناك - بنحو 25 ألفاً، في حين صدرت أوامر بمنع تسعة آلاف آخرين من السفر، بينهم أكثر من ثلاثة آلاف من غلاة مثيري الشغب (هوليغينز) ممن طلبت منهم الشرطة تسليم جوازات سفرهم لضمان عدم انتقالهم سراً إلى جنوب أفريقيا. وتخشى السلطات أن تضر تصرفات هؤلاء المشجعين، خصوصاً عندما يكونون ثملين (كما فعلوا في السابق)، بصورة إنكلترا عالمياً وتؤثر سلباً على فرصها في استضافة نهائيات كأس العالم في كرة القدم للعام 2018. وبأمر من مدرّب المنتخب الإنكليزي، الإيطالي فابيو كابيلو، سيكون بين الممنوعين من السفر إلى جنوب أفريقيا «صديقات» أفراد المنتخب الوطني، وحتى زوجاتهم. ويهدف كابيلو من وراء ذلك إلى ضمان تركيز اللاعبين على التحضير لمبارياتهم بدل اللالتهاء بالضيفات الحسناوات اللواتي غالباً ما يحتللن أجزاء واسعة من صحف الإثارة الشعبية التي تنشغل بفضائحهن ومغامراتهن في النوادي الليلية. ولن يُسمح لزوجات أفراد الفريق الإنكليزي أو لصديقاتهم برؤيتهم إلا في حال تأهلوا للدور المقبل، شرط أن يكون ذلك ليوم واحد فقط. وفي العادة، لا يطيب «استمتاع» الإنكليز بمتابعة مهمة فريقهم، «الأسود الثلاثة»، في المونديال إلا إذا ترافقت المباريات مع تجمعات صاخبة للمشجعين الشباب سواء في المنازل أو الحانات أو الحدائق العامة حيث «يتنافس» بعض المشجعين في ما بينهم على من يستطيع احتساء كمية أكبر من المشروبات الكحولية. وسعت المتاجر الكبرى قبل أسابيع من انطلاق المباريات، إلى استغلال «شراهة» الإنكليز للمشروبات الكحولية، فبدأت «حرب أسعار» في ما بينها أدت إلى خفض خيالي لأسعار المشروبات، وبدأ المشجعون منذ فترة طويلة «تخزين مونتهم» خصوصاً من الجعة. وتفيد تقديرات رسمية بأن المشجعين الإنكليز سيستهلكون 30 مليون كوب جعة سعة باينت (كل ليتر يساوي 1.76 باينت) في كل مرة يلعب فيها الفريق الإنكليزي إحدى مبارياته، ما يعني أن المشجعين سينفقون 475 مليون جنيه استرليني (الجنيه يساوي 1.44 دولار) على المشروبات الكحولية في حال نجح فريقهم في الوصول إلى النهائي. وإضافة إلى ذلك، تقول دراسة لشركة «شيكاغو تاون» لشطائر البيتزا إن 90 مليون جنيه سيتم انفاقها على طلب إيصال شطائر البيتزا إلى المنازل في كل مرة يلعب فيها الفريق الإنكليزي. وفي الإجمال، سينفق المشجعون الإنكليز قرابة بليون جنيه ل «الاستمتاع» بأداء فريقهم خلال أسابيع المونديال. وإضافة إلى ذلك، سجّلت محال الملابس في انكلترا ارتفاعاً كبيراً في نسبة الطلبات على شراء القمصان الرياضية التي تحمل أسماء لاعبين رياضيين يشاركون في كأس العالم. وجاء لاعب هجوم الفريق الإنكليزي وفريق «مانشستر يونايتد» واين روني ولاعب خط الوسط الإنكليزي صانع ألعاب فريق «ليفربول» ستيفن جيرارد على رأس اللاعبين الذين يتم شراء قمصان تحمل إسميهما من بين لاعبي فريق «الأسود الثلاثة». لكن شركة «كيتباغ دوت كوم» المختصة في بيع الملابس الرياضية لاحظت أن أقل من نصف هذه القمصان الرياضية التي بيعت في إنكلترا قبل بدء المونديال تعود إلى لاعبين في الفريق الوطني الإنكليزي، في حين أن بقية القمصان تعود إلى لاعبين في منتخبات أخرى أميركية أو أفريقية أو أسترالية، وهو أمر يدل على ما يبدو إما على التنوع العرقي الذي تشهده المجتمعات في إنكلترا وإما على ضعف الثقة بقدرة المنتخب الوطني على إكمال مشواره طويلاً في التصفيات النهائية (لم تحرز إنكلترا كأس العالم سوى مرة واحدة عندما استضافت دورة عام 1966). والمثير في الأمر أن خامس أكثر القمصان الرياضية مبيعاً في إنكلترا يحمل إسم نجم المنتخب الأرجنتيني بطل فريق برشلونة الإسباني ليونيل مسي. والظاهر أن كثيراً من هذه القمصان، بحسب ما قالت شركة «كيتباغ دوت كوم»، تذهب إلى اسكتلندا التي يفضّل مشجعوها تأييد «العدو اللدود» لجيرانهم الإنكليز. ومعلوم أن إنكلترا والأرجنتين خاضتا في مطلع الثمانينات «حرب الفوكلاندز» التي انتصر فيها الإنكليز، قبل أن تُلحق الأرجنتين هزيمة كروية بالإنكليز في كأس العالم في المكسيك عام 1986 أيام المدرّب الحالي دييغو مارادونا، ثم كررت الأمر نفسه في مونديال فرنسا عام 1998. وأكد استطلاع أجرته مؤسسة استبيان الرأي «يو غوف» حقيقة أن غالبية الإسكتلنديين لن تشجع الفريق الإنكليزي في هذا المونديال. إذ كشف الاستطلاع الذي أجري لمصلحة صحيفة «ديلي ميل» في اسكتلندا أن أقل من ربع الأسكتلنديين (24 في المئة) يؤيدون الإنكليز في نهائيات جنوب افريقيا، في حين أعرب 24 في المئة ممن استُطلعت آراؤهم عن الأمل في أن يفشل الإنكليز فشلاً ذريعاً، أو أنهم قالوا إنهم سيؤيدون أي منتخب باستثناء المنتخب الإنكليزي. وقال 38 في المئة إنهم لا يبالون بتاتاً سواء نجح الإنكليز أم فشلوا. غير أن غياب الحماسة لدى الجار الشمالي لإنكلترا لا يوازيه على ما يبدو سوى تأييد أعمى لدى بعض المشجعين الإنكليز لفريقهم الوطني، بغض النظر عن أدائه. أورين (19 سنة) وتايلر (17 سنة) مشجعان من هذا الصنف. فقد تُرك الشقيقان وحدهما في منزلهما في مدينة بورتسموث (جنوب إنكلترا) عندما ذهبت أمهما سارة وأبوهما آندي في عطلة. وعندما رجع الوالدان وجدا جدار منزلهما الخارجي مطلياً بالكامل بعلم إنكلترا. قالت سارة لإبنيها إن العلم يُمكن أن يبقى فقط إذا ما فازت إنكلترا بكأس العالم. وإذا ما صدقت توقعات مكاتب الرهانات، فإن الشقيقين سيجدان نفسيهما مضطرين إلى إزالته قريباً. فإنكلترا ليست من الفرق المتوقع أن تُنافس جدياً على الكأس في هذه الدورة التي تقول مكاتب الرهانات إن إسبانيا والبرازيل والأرجنتين هي الأوفر حظاً للفوز بها.