تمرّ سفينة المونديال الفرنسي لكرة القدم في بحر هائج هذه الايام بسبب ازمات مختلفة منها سياسي ديني وآخر له علاقة بالشغب، لكن الازمة الابرز تبقى البطاقات. وعندما قدم ميشال بلاتيني رئيس اللجنة المنظمة الفرنسية للمونديال الفرنسي بطاقات المونديال في احتفال اقيم في باريس في 27 نيسان ابريل الماضي، لم يكن يعلم ان قطعة الورق الصغيرة الملونة التي يعتبرها مشجعون كثر مفتاحاً لباب الجنة، ستشكل متاعب كبيرة للجنته وللجنة المنظمة التابعة للاتحاد الدولي وتهدد مسيرة المونديال وتشوه صورته. فبعد الازمة التي نشبت بين اللجنة المنظمة الفرنسية من جهة والاتحادات التي طالبت بعدد اكبر من البطاقات المخصصة لمباريات منتخباتها ولا سيما الاتحاد الانكليزي ونظيراه الالماني والهولندي، وحلت بطرح اكثر من 160 الف بطاقة في الاسواق للجمهور، جاءت قضية المشجعين الذين اشتروا بطاقات من شركات سياحية ودفعوا الغالي والنفيس للحصول عليها قبل ان يصابوا بصدمة لعدم حصولهم على بطاقات. والمشجعون الاكثر تضرراً يحملون الجنسية اليابانية وقد وصلوا الى فرنسا من دون بطاقاتهم فكانت "الثورة" التي لم تهدأ بعد. اين ذهبت البطاقات المقدر عددها ب15 الف بطاقة؟ الاجابات الاولى بدأت تظهر بعد ظهر اول من امس، اثر استدعاء مستشار شركة "اي اس ال" فرع فرنسا جيل فافار ومديرها العام مارك لوازون لاستجوابهما بصدد الازمة. ويشتبه ان يكون لوازون باع للشركات السياحية المعنية بالازمة بطاقات حصلت عليها شركة "اي اس ال" العالمية غير الفرنسية وكان مقرراً توزيعها على زبائن الشركة الفرنسية. اما فافار فمتهم ببيع بطاقات كان يأمل في الحصول عليها من اتحادات مستخدماً اسم "اي اس ال" فرنسا كتب رسائل على ورق يحمل عنوان الشركة... وهو غير مخول بذلك. وبعد متابعة دقيقة للتطورات قررت "اي اس ال" العالمية الخروج عن صمتها وهي المرتبطة بعلاقة شراكة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، واصدرت البيان الآتي: "اولى الوقائع كانت رسالة من محام بلجيكي يطالب رئيس الشركة جان ماري فيبير ومستشاره القانوني فيليب ماغراف في 9 الجاري بپ1500 بطاقة وذلك بعدما احتج لدى فيفا واللجنة المنظمة الفرنسية. وهناك ايضاً رسالة خاصة بشركتنا تحمل توقيع شخص يدعي انه مدير برنامج التطوير جيل فافار تتعلق بپ20 بطاقة، وهذه الواقعة أتاحت لنا للمرة الأولى ان نكتشف فيها ان هناك خللاً ما مع "اي اس ال" فرنسا. وسألنا على الفور رئيس "اي اس ال" فرنسا ديدييه فورتير والمدير العام مارك لوازون اللذين اكدا ان صاحب التوقيع ليس الا مستشاراً. وفي ذلك الوقت ظننا ان الازمة لا تتعدى ال1500 بطاقة. بالنسبة الينا لقد اخطأ احد واستغلنا ولا نعرف بالتحديد عدد البطاقات غير الموزعة". ودعت "اي اس ال" العالمية الى مؤتمر صحافي اكد خلاله نائب رئيسها غلين كيرتون وماغراف ان "اي اس ال" فرنسا شركة مستقلة ولا علاقة لها بالاتحاد الدولي بخلاف "اي اس ال" العالمية التي تعتبر شريكة لفيفا في الترويج. وتضاف هذه الازمة الى دعوى الاحتيال التي سيرفعها محام من مدينة فالنسيين الفرنسية ضد مجهول، وهو الذي يمثل خمس شركات سياحية يابانية واخرى فرنسية لم تتمكن من تزويد زبائنها في اليابان وبلجيكا وهولندا بطاقات دفعوا ثمنها. وبات من الصعب ايجاد مخرج للازمة التي لطخت سمعة المونديال الذي تسير مبارياته بنجاح فوق المستطيل الاخضر ومن ناحية الحضور الجماهيري في المدرجات... ولم يقف الاتحاد الدولي مكتوف اليدين وصرح رئيسه الجديد جوزف بلاتر: "رغم اننا غير معنيين بالامر مباشرة لاننا قمنا بواجبنا تماماً، لا يمكننا تجاهل الازمة التي تعصف بالمونديال، ونحن نحب ان نعرف التفاصيل الدقيقة". ويعترف جاك لامبير المدير العام للجنة المنظمة الفرنسية بوجود رغبة في تحقيق ارباح وغش "لكن من المستحيل التأكد من دقة الارقام، من جهة نجد نية في الغش والاحتيال ومن جهة اخرى لا اصدق ان شركات سياحية كبيرة تتصرف بسذاجة وغباء وتشتري وعوداً او سمكاً في البحر وترسل زبائنها الى فرنسا من دون كفالات بالحصول على البطاقات". ويعلق بلاتر: "نظام توزيع البطاقات لم يكن جيداً ونأمل ان نتعلم الدرس للمستقبل كي لا نفتح الباب امام تجارة السوق السوداء". الشغب من ناحية اخرى لا تزال مدينة مرسيليا تحت آثار الصدمة التي خلفتها اعمال الشغب بين "الهوليغانز" الانكليز ومشجعي منتخب تونس. وصدر قرار باغلاق المطاعم والحانات ومنع بيع الكحول ابتداء من ظهر اليوم الجمعة وحتى مساء الاحد استعداداً للمباراة بين هولندا وكوريا الجنوبية. واحتجت نقابة الفنادق والمقاهي والمطاعم في المدينة على القرار وطلبت من اعضائها عدم الالتزام به، وقالت في بيان: "لن نكون كبش فداء لعدم قدرة السلطات على حفظ الامن والسيطرة على المشاغبين". وحصلت النقابة على مطالبها ولن تغلق المطاعم والحانات والمقاهي ابوابها قبل الساعة الرابعة صباحاً، لكن قرار منع بيع الكحول سيبقى ساري المفعول. من جهتها بدأت مدينة تولوز الهادئة عموماً الاستعداد لاستقبال المشجعين الانكليز القادمين لمتابعة المباراة بين منتخبهم ورومانيا الاثنين المقبل، واتخذت بعض التدابير الاحترازية منها تأجيل عيد الموسيقى الذي كان مقرراً مساء الاحد المقبل الى 11 تموز يوليو المقبل. كما صدر قرار باغلاق الحانات والمقاهي والمطاعم ابتداءً من مساء امس وحتى الاثنين المقبل. ولن تعرض المباراة على شاشة عملاقة في وسط المدينة كما كان مقرراً. واكدت البلدية وصول 180 شرطياً اضافياً لدعم القوة الموجودة حالياً وحجمها 1300 شرطي. وطلبت من اصحاب المحلات الحد من بيع الكحول لكن قراراً بمنع بيعها لم يصدر. ولم تقف مدينة لنس متفرجة على ما يحصل وهي التي تستضيف في 26 الجاري المباراة الاخيرة في الدور الاول لمنتخب انكلترا ضد كولومبيا، واتخذت بدورها قرارات احترازية، فألغت الحفلتين الموسيقيتين في 25 و26 الجاري. ويجب الا ننسى ان منتخب ايران اثار ازمة بسبب عرض احدى شبكات التلفزيون الخاصة في فرنسا فيلماً يضر بسمعة ايران والاسلام وهدد بالانسحاب من المونديال. لكن كرة القدم عودتنا ان تتخطى العقبات التي تواجهها دائماً سياسية كانت او متعلقة بشغب المشجعين او بأقلية تحاول الاستفادة مادياً من الاحتفال الكروي الكبير.