يقول سفير دولة غربية كبرى في بيروت ان انجاز الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان خطوة ايجابية في نظر الدول التي تتابع مجريات الأمور الداخلية ودلالاتها السياسية. ويرى ان لبنان هو الدولة الوحيدة بين الدول القريبة منه التي يجرى فيها انتخابات سلطات التمثيل المحلي بالاقتراع الشعبي، وهذا يعيد تظهير صورة جيدة عنه في الخارج ويعيد الى أذهان الغرب انه بلد مميز في هذه المنطقة، ما يستدعي الانجذاب اليه وقيام علاقات خاصة به. وهذا الانطباع الذي نقله السفير الغربي تماثله انطباعات معظم سفراء الدول الأجنبية والعربية في لبنان الذي اهتم كثر منهم بمراقبة هذه الانتخابات ورصد الدلالات السياسية التي نتجت عن فرز صناديق الاقتراع. بل ان السفير الغربي نفسه يذهب الى حد القول: "بعد الانتخابات ستكون المشكلة أمام الدولة اللبنانية تأمين المال للبلديات، إذ لا يعقل ان تنتخب مجالس بلدية جديدة تسعى الى انماء المدن والقرى من دون توفير الامكانات المالية لها. وهذا سيكون من التحديات أمام السلطة المركزية، في ظل الوضع الدقيق الذي تعيشه الخزينة، والسعي الى خفض العجز في وقت تحتاج البلديات الى توظيف ما تجنيه من رسوم في غير المشاريع التي توظفها فيها الحكومة". وتوج هذا الاهتمام الخارجي بهذه الانتخابات تصريح وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت للصحافة، قبيل لقائها رئيس الحكومة رفيق الحريري الثلثاء الماضي حين هنأته باجرائها، متمنية أن تنعكس على "الدعم الشعبي اللبناني للديموقراطية الدستورية وعلى الانتخابات الرئاسية عندما تجرى في الخريف المقبل". وإذا كانت اولبرايت استقبلت الحريري بهذا الموقف، مقدمة اياه على الموضوع الرئيسي الذي زار من أجله رئيس الحكومة واشنطن، ألا وهو الموقف من العرض الاسرائيلي المشروط بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425، المرفوض من لبنان، اضافة الى عملية السلام، فلأن الجانب الأميركي سبق ان طالب باجراء الانتخابات البلدية على لسان اولبرايت نفسها حين زارت لبنان في أيلول سبتمبر الماضي ثم على لسان مساعدها لشؤون الشرق الأوسط مارتن انديك في الخريف، كذلك طالب باجراء الانتخابات الرئاسية في اشارة الى عدم تحبيذ واشنطن التمديد مرة اخرى لرئيس الجمهورية الياس الهراوي. وكان سبق للرئيس الفرنسي جاك شيراك ان دعا دمشق الى تشجيع اجراء الانتخابات البلدية في لبنان وأبدى ارتياحه الى حصولها حين زار لبنان آخر الشهر الماضي. وسأل من التقاهم عن تقديراتهم للقوى التي ستربح هنا وهناك باسلوب المداعبة للدلالة الى اهتمامه بالتفاصيل اللبنانية. ويقول خبير في الموقف الاميركي من لبنان ان اهتمام واشنطن بالبلديات يعود الى سبب مبدئي هو حرصها على ممارسة الدول، التي تهتم للعلاقة الجيدة معها، الديموقراطية على مستوياتها كافة، ولاعتقادها ان الانتخاب في التمثيل المحلي مسألة جوهرية في العملية الديموقراطية ككل. ولا يخفي ان ثمة اسباباً اخرى سياسية للاهتمام الاميركي بالبلديات منها: - معالجة الخلل الذي تشكو منه القيادات المسيحية ولا سيما المعارضة منها، في التمثيل ضمن المؤسسات. ومن هنا تشجيع الاميركيين المتواصل لهؤلاء كي يشاركوا في الانتخابات الى حدّ لوم الذين قاطعوا الانتخابات النيابية في السابق. وفي هذا السياق يتمنى الاميركيون دخول قوى مسيحية معارضة، مثل "القوات اللبنانية" و"حزب الوطنيين الاحرار" وانصار الرئيس امين الجميل المعترك الانتخابي، مقدمة لانفتاح الحكم على المسيحيين خصوصاً المنضوين تحت اتفاق الطائف خلافاً للتيار العوني. وتقول مصادر مطلعة على الموقف الاميركي في هذا المجال ان الديبلوماسية الاميركية نظرت ايجاباً الى مجريات الانتخابات البلدية "على رغم ان الاعتراضات التي سمعتها من بعض الرموز المسيحية المعارضة لم تكن بحجم الوقائع التي أظهرت ايجابية هذه الانتخابات، كما تبين من خلال مراحلها. - ان الديبلوماسية الاميركية ترصد حكماً مدى تقدّم "المتطرفين" أو تراجعهم بنتيجة هذه الانتخابات. وتهتم بالتالي للنتائج التي حققها "حزب الله" كتنظيم لها موقف سلبي منه. وعلى رغم ان الديبلوماسيين الاميركيين اعتبروا بعض التعليقات الصحافية والتصريحات من قادة الحزب عن تدخل السفارة الاميركية ضدهم في بعض هذه الانتخابات، بانها "تثير الابتسامة والضحك"، فان الخبير في الموقف الاميركي يعتقد "ان لا بد لهؤلاء من ان يغتبطوا لفشل "حزب الله" مثلاً في السيطرة على المجلس البلدي لمدينة بعلبك". ويضيف "الاميركيون لا يتدخلون كثيراً في التفاصيل، كأن ينصحوا بالعمل على اسقاط "حزب الله" هنا أو هناك، ولكن اذا حصل ذلك فهم لن يكونوا منزعجين، على رغم ايمانهم بصحة السياسة الداعية الى استيعاب الحزب ضمن المؤسسات الدستورية والمدنية، على طريق تحويله حزباً سياسياً". ختاماً، يقول الخبير نفسه ان "توقيت الرئيس الحريري زيارته لواشنطن بعد انتهاء الاستحقاق البلدي لم يكن عفوياً وعلى الارجح اانه سعى الى هذا التوقيت لتتم محادثاته مع الادارة الاميركية في ظل هذا الانجاز، ولاستثماره في محادثاته معها، فيوظّف الجانب المبدئي فيه الذي يتلخص بتعزيز الممارسة الديموقراطية، والجانب السياسي الذي يهمّ المعنيين بالملف اللبناني في واشنطن، عبر تظهير دوره دوره في انجاح ممثلين ل"القوات اللبنانية" والكتائب في بيروت من جهة، وعبر اعتبار فشل "حزب الله" في بعلبك التي اسقطت الاصوات السنية لائحته فيها، خطوة تدحض المطالبة الاميركية - الاسرائىلية للسلطة اللبنانية بتفكيك قواعده. فالمعلومات في هذا الصدد ان الحريري يستخدم الحجة القائلة ان العملية السياسية - الديموقراطية أفعل في استيعاب الحزب والمتطرفين وفي تحجيمه، من اسلوب قمعه عسكرياً بحجة انه يحمل السلاح ضد اسرائيل، الامر الذي يرفضه الحكم اللبناني"