انخفض عدد العراقيين المقيمين في المغرب في شكل ملحوظ، وفيما كان يقدر بالآلاف لم يعد يتجاوز الآن بضع مئات. بين هؤلاء طلاب يتابعون الدراسة في جامعات الرباطوالدار البيضاء، وموظفون يعملون في المنظمات الاقليمية التابعة لجامعة الدول العربية أو المنظمات الدولية، ورجال أعمال يزاولون التجارة ومقاولات البناء أو يعملون في قطاع السياحة. وهناك أيضاً فنانون وصحافيون، وتفسر أوساط الجالية العراقية في المغرب تراجع عددهم بالتزاماتهم ازاء بلادهم، وفي مقدمها العودة الى العراق لأداء الخدمة العسكرية الالزامية أو تفقد العائلة. والتشدد الذي يواجهه كثيرون من العراقيين في الحصول على تأشيرات للسفر الى الدول الأوروبية أو الولاياتالمتحدة جعلهم يفضلون الهجرة الى بلدان أخرى. يقول أحد العراقيين ان مقتل الديبلوماسي العراقي عرب مؤيد في ظروف غامضة في ضواحي الرباط بداية حرب الخليج جعلهم أكثر حذراً في تحركاتهم، خصوصاً في ضوء ارتباط المغرب والعراق بعلاقات متميزة حالت دون إيواء معارضين للنظام العراقي أو القيام بنشاطات سياسية، باستثناء ما يتعلق بالمبادرات التي تقوم بها منظمات مغربية لدعم الشعب العراقي عبر تقديم مساعدات انسانية. وموقف السلطات المغربية يبدو أكثر تشدداً في مواجهة أي تغلغل أو استخدام لأراضي المغرب في نشاطات سياسية غير مشروعة. وعلى رغم ارتباط أحزاب مغربية بعلاقات وثيقة مع السلطات العراقية وحزب "البعث" الحاكم في العراق، فإن تأثيرات حرب الخليج انعكست في تقلص الزيارات التي كانت تقوم بها وفود مغربية للعراق، أو وفود حزب "البعث" العراقي للمغرب. لكن أوساط الجالية العراقية ترى ان هذه العلاقات لا تطاول أوضاعها، لذلك يمارس أفرادها نشاطات تجارية أو ثقافية مثل أي جالية أخرى. ولا يزال ديبلوماسيون ومثقفون عراقيون يرتبطون بعلاقات جيدة مع المثقفين المغاربة، يحنون الى فترة ما قبل الحرب، حين كانت تجمعهم روابط في مجالات النشر والأدب والشعر والمهرجانات الثقافية. في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، ينعكس الحضور العراقي في اسماء مبان ومراكز تجارية ومقاه ومطاعم شرقية، إذ أطلق مقاولون عراقيون اسماء مثل جاسم وكاظم وجابر وشاكر على عمارات شاهقة شيدت أخيراً، لكن الأزمة التي يعانيها قطاع البناء انعكست سلباً على توسع هذه المشاريع التي كانت بدأت في الرباط وفي القنيطرةوطنجة وتمارة جنوب العاصمة، وفي مناطق أخرى. وتحول عراقيون الى انشاء مزارع في المناطق الريفية في حين اختار آخرون مهناً مثل صناعة النسيج والخدمات ومجالات النشر عبر تأسيس بعض المطابع أو تقديم خدمات اعلامية. ويملك أحد العراقيين في الرباط أهم شركة للانتاج التلفزيوني في المغرب، ترصد الظواهر الثقافية وتعد أشرطة عن المآثر التاريخية للمغرب، وكذلك مهرجان الفولكلور في مراكش. وعلى رغم أن بعض العراقيين أسس شركات بالتعاون مع وسطاء مغاربة في قطاع السياحة والخدمات، فإن الأمر يقتصر على مشاريع محدودة في طنجة وبعض المناطق السياحية. واللافت ان العراقيين في المغرب يحتفظون بالجنسية العراقية، اضافة الى جنسيات أوروبية اكتسبوها عبر الاقامة خارج بلادهم. لكن حضورهم يكون لافتاً في الحفلات التي تقيمها السفارة العراقية في الرباط، أو في مهرجانات يحييها الفنانون العراقيون الذين يزورون المغرب. الاحساس بالمرارة والحزن يطبع أي حديث مع العراقيين في المنتديات المغربية، لكن غالبيتهم تفضل عدم التعاطي مباشرة مع الوضع السياسي في البلاد، وتأمل بمجيء اليوم الذي يرفع فيه الحظر عن الشعب العراقي