قرأت الجملة الآتية في مقال للكاتب علي الشوك واختفى صديقي يحيى جواد ومعه الرجال الغرباء، قبل ان اعرف المزيد من اشجار الحنطة، مثل هذه الجملة وغيرها جاءت في الصفحة 14 "الحياة" بتاريخ 8/6/1998 في مقال بعنوان الرجال الغرباء وأشجار الحنطة. عاد علي الشوك في مقالته لأكثر من أربعين عاماً الى الوراء. ورجع في الوقت نفسه الى زمننا الحالي وبهذا فهو تفاعل زمكانياً زمان " مكان عندما تكلم عن مقهى ياسين في شارع ابو نواس في بغداد عندما يقول بشكل يشبه الشكل الدادائي ... في هذا المقهى الذي زال من الوجود منذ اكثر من عشرين عاماً، وفرحاً الكاتب بعودة الحياة اليه المقهى بعد هذه السنين. عرفنا الشوك بشخصية جاسم الاميركاني التي ... اطلق عليها هو الاسم تيمناً به كاسم عراقي صميم رغبة منه في الانغمار في الحياة الشعبية العراقية، اقول حرك الشوك في داخلنا ذكريات عن شخصية بغدادية اخرى وهي حسون الاميركي الذي كان في فترة الستينات يسكن في الصيلخ، وكان يستخدم الدراجة الهوائية ذات المقود الغريب الشكل في تنقلاته، ويلبس حذاء كان يطلق عليه جم جم، كان حسون طويلاً ورشيقاً بل نحيفاً بشكل ملحوظ، ولأنه كان يلبس الملابس الصارخة الألوان، اسماه الناس حسون اميركي. ويهزنا الشوك بصدمته عندما يقول ... ثم ماذا، لقد انهار كل شيء، ونحن الآن في عصر ما بعد التاريخ وما الذي يقلقك وأنت متوفى منذ اكثر من عشر سنوات. اما ذكرى الفنان المرحوم يحيى جواد فقد استعادها الشوك كشخصية وكان يطلق عليها صديقي المتوفى يحيى حيثما ورد ذكره في المقال، وعلى رغم ان المرحوم يحيى جواد لم يكن من رواد مقهى ياسين الدائميين، الا ان الشوك استخدمه كرمز ليمثل مرحلة ما بشكل قد تكون توجهاً نحو دادائية جديدة بشكل خجل، وللمهتمين بالفن اقول ان المرحوم يحيى في اواخر حياته، أصيب بالشلل، وأصبح جليس الدار حيث كان يعيش في دار اخيه في حي الداخلية في بغداد. وبسبب الوضع الفني لديه ولكونه مشلولاً في رجليه واحدى يديه اي ان تلك اليد قد اصبحت غير قادرة على مسك الاشياء، فألبسها ما يشبه القبقاب وهي قطعة خشبية في احدى جهاتها حزام من الجلد لتثبيت الخشب في يده ليستخدم هذه اليد والخشبة المربوطة بها لضرب ازميل حديدي ليحفر الخشب. وأنتج المرحوم يحيى جواد العديد من اللوحات الخشبية البارزة. وبهذا تحول المرحوم يحيى من الخط والرسم بسبب الشلل الى النحت الخشبي. ولا معلومات لدينا عن مصير التحف الفنية التي أبدعها. وقد قام احد المخرجين في تلفزيون بغداد في الستينات او السبعينات بتوثيق اعمال المرحوم يحيى هذه في فيلم قصير ثم عرضه من شاشة تلفزيون بغداد. واستخدم المخرج صوت الممثل العراقي المعروف سامي عبدالحميد، وهو يغني المقام العراقي الحزين كخلفية موسيقية لهذا العمل الفني، الذي أتمنى أعني الفيلم ان يكون باقياً الى الآن، ليمكن عرضه يوماً في واحدة من المحطات الفضائية العربية.