منذ 2009 تولى سلام فياض رئاسة الحكومة الفلسطينية في مهمة كانت تبدو مستحيلة لبناء كل المؤسسات للإعداد لإنشاء الدولة الفلسطينية. ونجح فياض، رغم الصعوبات الهائلة الناتجة من الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان والممارسات الإسرائيلية. فقد اعد تقريره للدول المانحة التي تجتمع دورياً للبحث في مساعدة السلطة الفلسطينية ليقول انه التزم موعد الإعداد لهذه الدولة التي تنادي الغالبية الساحقة من الدول النافذة في الأسرة الدولية بضرورة إنشائها، لكنها لا تفعل شيئاً لتنفيذ هذا الالتزام. فها هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس ينوي أن يقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة طلب عضوية دولة، فتقوم القيامة لأن الإدارة الأميركية تهدد بالفيتو، حتى لو لم يأخذ عباس أي نتيجة من هذا التحرك لأنه لن يحصل على غالبية 9 أصوات في مجلس الأمن قبل أن يواجه الفيتو الأميركي. فهو بكل الأحوال يرى انه وصل مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو وإدارة الرئيس أوباما إلى طريق مسدود مهما قدم من تنازلات. فصدقية وعود والتزامات الرئيس أوباما بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية انتكست نهائياً، بعدما كان الأمل لدى العرب كبيراً عندما ألقى أوباما خطابه في القاهرة في بداية عهده، ثم تحدث عن دولة فلسطينية وحدود 67. إلا انه عاد وتراجع عن هذا الموقف عندما أضاف أن مسألة الحدود تتضمن تبادل أراض والأخذ في الاعتبار التغيرات الديموغرافية بمعنى آخر الاستيطان. ثم جاء تصفيق الكونغرس الأميركي 27 مرة لأسوأ خطاب لنتانياهو، ليظهر مدى استحالة فك ارتباط أي إدارة أميركية مع رغبات الحليف الإسرائيلي، مهما كانت الخلافات في وجهات النظر. وفي مقابل هذا الموقف الأميركي - الإسرائيلي، تعرض فرنسا ورئيسها نيكولا ساركوزي، باستمرار نهجاً جديداً لعودة المفاوضات لأن النهج الأميركي فاشل. لكن الجانب الأميركي يرفض فكرة مواكبة المفاوضات في مؤتمر دولي يبقى منعقداً حتى التوصل إلى نتيجة. الكل ينادي بالدولة الفلسطينية. والآن مع جاهزية الدولة قامت الدنيا وقعدت لأن «أبو مازن» فاجأ العالم، كما نسمع، وأنه اخطأ لأن طريقته تعقد الأمور لمن يريد مساعدته مثل فرنسا. إلا أن رغم كل الإرباكات والتهديدات التي نتجت من قرار ذهابه إلى مجلس الأمن فهو مدرك لذلك. لكنه يضع الدول أمام مسؤولياتها ويظهر للشعب الفلسطيني انه رجل سلام أعطى لمحاوريه في الغرب كل الفرص ولم ينفذوا الضغط على إسرائيل بل ارسلوا ديبلوماسييهم لتهديده والضغط عليه بعد أن وعدوه بالكثير من دون تنفيذ. أما وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون فكان من الأسهل أن يعينوا مكانها توني بلير الذي يمارس تأثيراً واسعاً عليها. فهي لا تبلغ الدول الشريكة بما تقدمه من طرح. والنتيجة أن عباس يتشدد وهو على حق لأن لا يوجد خيار آخر. فحتى لو كان طلب عباس مستحيل التنفيذ، لا يسيء للشعب الفلسطيني لأنه يضع بعض الدول أمام مسؤولية تنفيذ التزاماتها في السياسات الخارجة. وإن هددت الإدارة الأميركية بقطع المساعدات، فذلك سيرتد عليها أمام الشعوب العربية لموقفها المنحاز كلياً إلى إسرائيل. أما فرنسا فتأخرت في إبلاغ «أبو مازن» عن احتمال تأييدها لدولة بمثابة الفاتيكان في الجمعية العمومية تاركة الكلام للسيدة اشتون التي تحدثت بمنطق بلير. فرغم إصرار فرنسا على ضرورة اعتماد موقف متوازن في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، بقي الموقف العام الأوروبي، رغم أن الاتحاد هو الممول الأول لاسرائيل، غير فاعل وغير متوازن كونه لم يعاقب مرة الجانب الإسرائيلي الذي لم يبال بقرارات أوروبية عديدة دانت الاستيطان. والآن والشعوب العربية تثور على أنظمة القمع في ما يسميه الغرب الربيع العربي، يحق ل «أبو مازن» أن يثور بدوره بعد صبر طويل على نهج غربي يخضع للضغوط الأميركية المنحازة كلياً إلى إسرائيل. فطلب الجانب الفلسطيني عضوية الدولة في مجلس الأمن هو بمثابة الربيع الفلسطيني رغم كل الضغوط.