بنيامين نتانياهو لم ولن يسمع نداءات أصدقائه وحلفائه لوقف الاستيطان وتجميد القرار بعودة بناء المستوطنات بعد 26 أيلول (سبتمبر). واقع الحال أن لا أحد في العالم العربي كان مقتنعاً أنه سيستجيب لدعوات الإدارة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي وبالتحديد صديقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي ألح عليه بتمديد قرار تجميد الاستيطان. فالموقف الإسرائيلي لم يفاجئ لأنه موقف دائم وتقليدي. فالعالم بأسره ضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كي يعود الى المفاوضات المباشرة وشجعه على معاودة التفاوض مع نتانياهو من دون أي ضمانات. ومحمود عباس يقول إن نية الرئيس أوباما حسنة وأنه يريد فعلاً التوصل الى السلام. ونيكولا ساركوزي ينتقد النهج الأميركي الذي اعتمد منذ مفاوضات كمب ديفيد رعاية المفاوضات وحصرها فقط بالراعي الأميركي بدل توسيعها وإدخال اللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي فيها. فالرئيس الفرنسي على حق بأن الاتحاد الأوروبي هو المموّل الأول لكل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية وأنه يريد ألا يكون فقط المصرف المموّل من دون لعب أي دور. فالإصرار الفرنسي والأوروبي على لعب دور على المسار التفاوضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين شرعي ومطلوب وهو حتى الآن مرفوض إسرائيلياً، على رغم صداقة ساركوزي ونتانياهو، كون رئيس الحكومة الإسرائيلية يدرك تماماً أن مصالح فرنسا والاتحاد الأوروبي هي مع العرب. وأن سياسة هذه الدول لا يمكن أن تكون منحازة لإسرائيل كما هي سياسة الولاياتالمتحدة. ولكن ينبغي، على رغم التطلع الى دور فرنسي وأوروبي في المسار السلمي، التذكير بأن الاتحاد الأوروبي على رغم تمويله وروابطه الاقتصادية بإسرائيل لم يمارس يوماً ضغطاً على اسرائيل عبر هذا التمويل. فقد خرقت إسرائيل القرارات الأوروبية وأغلقت المعابر على الأراضي الفلسطينية وتشددت في سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني وقامت بخطوات عدة لتهويد مدينة القدس التي قال ساركوزي أمام الكنيست أنها ينبغي أن تكون عاصمة للدولتين، لكن نتانياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين لم يسمعوا ولم يأخذوا في الاعتبار ما قيل لهم لا من فرنسا ورئيسها ولا من أوروبا. والسؤال المطروح، ماذا كانت نتائج مهمة مبعوث الرباعية رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير؟ لا شيء سوى صرف الأموال على أمنه والمساهمة في تحسين صورته. وماذا فعل مبعوث الاتحاد الأوروبي مارك أوت؟ مَن يعرفه؟ ومَن سمِع به؟ ولماذا تعيّن فرنسا مبعوثة خاصة للشؤون الاقتصادية هي فاليري هوفنبرغ؟ وما هي المهمة الحاسمة التي تقوم بها بجمع أولاد فلسطينيين وإسرائيليين لزيارة فرنسا؟ هل يغيّر ذلك شيئاً في رؤية الشعب الفلسطيني للممارسات الإسرائيلية؟ كل هذه التعيينات والمهمات لم تأتِ بنتائج ملموسة فالمطلوب ضغط فعلي عبر التمويل الأوروبي للحصول على تنازلات من الجانب الإسرائيلي. مشكور الرئيس ساركوزي لأنه أعرب عن أسفه الشديد لعدم تجاوب نتانياهو مع دعواته لوقف الاستيطان. على الأقل صراحته تنبع من موقف حازم من الاستمرار في بناء المستوطنات! ولكن، طالما ليست هناك أي معاقبة لإسرائيل أو ضغط فعلي عليها عبر التمويل فلا يمكن الحصول منها على تنازلات. ولا أحد في الغرب لا الإدارة الأميركية ولا الاتحاد الأوروبي مستعد للضغط الاقتصادي على الحكومة الإسرائيلية. وطالما الأمور كذلك سيُطلب من السلطة الفلسطينية تقديم التنازلات حتى إضعافها وتعزيز القوى المتطرفة. وقد يكون ذلك رغبة إسرائيل التي بعد حرب 2006 الوحشية على لبنان جعلت من «حزب الله» قوة مهيمنة في لبنان، كما أن حصار غزة وحربها الوحشية في غزة جعلت من «حماس» القوة المهيمنة فيها. ولا شك في أن سياسة إسرائيل في المنطقة تتناغم مع السياسة الإيرانية الإقليمية في تشجيع التشدد والتطرف في المنطقة وحتى في أوروبا. فمخاوف الرئيس الفرنسي ساركوزي من المزيد من التطرف والإرهاب في أوروبا نتيجة عدم إيجاد حل للصراع العربي - الإسرائيلي مشروعة، ومطالبته بدور مواكب للمفاوضات ينبغي أن يُوافَق عليها ولكنها لا تكفي!