تمثل قضية المدافع الأميركية ال "سكراب" حلقة جديدة في مسلسل الثقة المفقودة بين مجلس الأمة البرلمان الكويتي ووزارة الدفاع. ففي حين تؤكد الوزارة ان صفقة هذه المدافع حيوية لتجهيز القوات المسلحة، يرى بعض النواب انها نزيف جديد في خزينة الدولة باسم الأمن الوطني . وشكلت هذه القضية واحداً من عناصر التوتر المتجدد بين الحكومة والبرلمان، والذي طرح فيه احتمال حل البرلمان. وقال نواب اتصلوا بالحكومة ان ولي العهد الشيخ سعد العبدالله اعتبر اعتراض المجلس على الصفقة واحداً من الأمثلة على عدم تعاون النواب مع الحكومة وعرقلتهم أعمالها. وكانت الصحافة الكويتية أطلقت على الصفقة اسم "سكراب" وهو مصطلح عامي مقتبس من كلمة Scrap الانكليزية ويعني "خردة" بعد معلومات أدلى بها النائب مبارك الدويلة الاسبوع الماضي وفيها ان الجيش غير راض عن المدافع كونها قديمة مستعملة ويجري تجديد بعض اجزائها، ورغم ذلك فإن الكويت ستدفع ثمناً باهظاً يصل الى 620 مليون دولار لتجهيز كتيبتين فقط من هذه المدافع. أما وزارة الدفاع فلم تعلق رسمياً على الموضوع مكتفية بالاشارة الى أن المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه ولي العهد الشيخ سعد العبدالله الصباح لا يزال ينظر في الموضوع. لكنها سربت معلومات لبعض الصحف تفيد بأن التقارير السلبية عن المدافع والتي وضعها ضباط القوات البرية قديمة وأن تقارير لاحقة أكدت صلاحية المدفع الأميركي وجودته! والسلاح موضع الجدل هو المدفع "M-109A3" بالادين ذاتي الحركة من عيار 155 ميلليمتراً. ويمثل العرض الأميركي في منافسة عرض فيها كل من بريطانيا والصين وجنوب افريقيا مدافع ذاتية الحركة من العيار ذاته لمواجهة حاجة الجيش الكويتي لمدفعية حديثة من هذه الفئة من مدفعية الميدان. والمدفع "بالادين" هو النسخة الأحدث من المدفع "M-109" الذي يعتبر عماد المدفعية ذاتية الحركة في الجيش الأميركي وبعض دول حلف الأطلسي منذ الستينات، وصنعت نماذج محسنة منه عبر ثلاثة عقود منها النموذج "M-109A2" الذي يستخدمه الجيش الكويتي منذ السبعينات، وقامت وحدات من "المارينز" باستعمال النموذج المعروض للكويت والمستخدم لدى قوات مشاة البحرية الأميركية ضمن مناورات مشتركة مع الجيش الكويتي في أيار مايو في خطوة سبقت محادثات بيعه للكويت. وقام الجيش الكويتي بتجارب على المدفع في الصحراء الكويتية لاحقاً. والمعلومات الفنية عن المدافع "بالادين" تشير الى إدارة كاملة للنيران فيه عن طريق الكومبيوتر وقابلية الرد التلقائي على مدفعية العدو خلال ثوان معدودة، واطلاق أنواع متعددة من الذخائر الى مدى أقصى يتراوح ما بين 24 و30 كيلومتراً، لكن هذه الصفات متوافرة أيضاً في المدافع المنافسة وبدرجات متفاوتة. وقال مصدر ديبلوماسي غربي في الكويت ل "الحياة" مؤيداً الصفقة: "هذا هو المدفع الذي دك فرق صدام حسين ودمرها فكم فرقة دمرتها المدافع المنافسة؟" وأضاف: "الكويتيون يعرفون المدفع وجربوه منذ عقود ورأوا فاعليته على يد القوات الأميركية والحليفة خلال حرب الخليج". وأكد المصدر ان الاختيار بين المدافع الأربعة "قرار يتخذه الكويتيون وحدهم وفي ضوء احتياجاتهم". واستدرك قائلاً: "لا يمكن اغفال المزايا التي تتوافر مع المدفع الأميركي فالجنود الكويتيون لهم خبرة في استخدامه، والجنود الأميركيون الذين سيقاتلون الى جانبهم سيستخدمون المدفع نفسه وذخائره ومعداته، واتفاق الشراء والتوريد والتدريب سيتم بواسطة الجيش الأميركي لا الشركة الصانعة مما يعطي ثقة أكبر لخدمة هذا المدفع في الجيش الكويتي". ويشير المصدر الغربي الى أن الجانب الأميركي قدم للكويت عرضين أحدهما شراء مدافع "M-109" مستعملة يجري تجديدها وتحسينها الى مستوى المدفع "بالادين" والعرض الآخر هو شراء مدافع جديدة الصنع "واختار الكويتيون شراء مدافع جديدة وهو ما أوصى به الجانب الأميركي". غير ان نواباً كويتيين يقولون ان المدافع المعروضة قديمة وان تقارير اللجان الفنية رأت عدم صلاحيتها. وقال النائب مبارك الدويلة ل "الحياة" ان الفريق الفني الذي توجه للولايات المتحدة "رأى مدافع سكراب خردة من مخلفات حرب تحرير الكويت يجري ترميمها وتركيب معدات جديدة لها ويراد بيعها للكويت بسعر المدافع الجديدة، كما أن خط انتاج هذه المدافع متوقف منذ فترة ويراد إعادة فتحه بأموالنا". وأوضح ان الصفقة التي يجري التفاوض في شأنها حددت سعراً مرتفعاً جداً للمدافع، فالكتيبة الواحدة ستكلف 240 مليون دولار وملحقات المدافع من عتاد وأجهزة مساندة وتدريب تكلف 140 مليون دولار "وهكذا سندفع أكثر من 600 مليون دولار - والبلد يعيش عجزاً مالياً متزايداً - على صفقة مشكوك في فائدتها لأمننا الوطني". وأشارت مصادر برلمانية الى أن مجلس الدفاع الأعلى ناقش قبل أيام موضوع صفقة المدافع من دون أن يحسم رأياً في شأنها، وتتوقع هذه المصادر استبعاد المدفع البريطاني لارتفاع سعره 380 مليون دولار للكتيبة الواحدة! أما المدفع الصيني فيعتزم الجيش الكويتي اجراء تجارب عليه في تموز يوليو ويعتبر اختياره - ان تم - قراراً سياسياً صرفاً، أما المدفع الجنوب افريقي فالمعلومات عنه محدودة. ولا تميل الحكومة الكويتية الى اشراك مجلس الأمة في المداولات الخاصة بصفقات الدفاع وتعتبر التدخل في تفصيلات التسليح مساً بصلاحياتها الدستورية، لكن المجلس قادر على ممارسة الضغوط من خلال مناقشة موازنة وزارة الدفاع في نهاية السنة المالية. ومن المؤكد ان وراء بعض الصفقات مبررات سياسية قد يقبلها النواب لو عرضت عليهم، وجاء معظم الصفقات لمصلحة الولاياتالمتحدة لدورها الأساسي في حماية الكويت أسلحة مثل دبابات "ابرامز" وصواريخ "باتريوت" وهليكوبتر "اباتشي" ثم للبريطانيين مدرعات وورير وصواريخ سي سكوا البحرية مع تحفظ واضح في منح الصفقات للفرنسيين زوارق دورية بحرية لمواقفهم القريبة من بغداد. أما موسكو فحصلت على صفقة غامضة التفاصيل عام 1991 بنحو 800 مليون دولار تضمنت ناقلات جند "BMP-3" وراجمات صواريخ سميرش، ومن المتوقع ان تقدم صفقة للصين قريباً. ويريد الكويتيون من هذا المزيج من الأسلحة ايجاد ارتباط مباشر لجيوش الدول الخمس الكبرى بالجيش الكويتي "حتى يجد الجيش العراقي انه لن يحارب الجنود الكويتيين وحدهم اذا حاول العدوان ثانية". والبرلمانيون الكويتيون لا مشكلة عندهم حول هذه السياسة لولا ان لدى بعضهم شكوكاً مزمنة في نزاهة الطريقة التي تصرف الحكومة فيها مخصصات إعادة تسليح الجيش البالغة 12 بليون دولار والتي صرفت وزارة الدفاع معظمها في السنوات الثلاث الأولى رغم أنها تغطي الفترة من 1992 إلى 2003، وعزز ديوان المحاسبة شكوك النواب عام 1996 عندما كشف مخالفات قانونية واجرائية في أكثر من ثلاثين عقداً للتسليح والتجهيز والانشاء ابرمتها الوزارة، لكن النواب لم يتمكنوا من فرض عقوبات على المسؤولين بسبب التجاوزات. واتهم النواب "متنفذين" لم يسموهم بجني مئات الملايين من عمولات على صفقات الأسلحة، لكن تحفظ وزارة الدفاع عن كشف وثائقها للنواب بدعوى السرية يحول دون ايجاد دلائل على هذه الاتهامات. لكنهم يقولون ان صدور قرارات سياسية تتجاوز رأي الجيش في بعض الصفقات دليل على شبهة في العمولات، كما ان فضيحة شراء الوزارة عام 1996 مواد غذائية للبحرية الأميركية بعشرين ضعف قيمتها في السوق دليل على الطريقة التي تتم فيها الصفقات.