منذ تنفيذ الاعدام شنقاً بشابين في ساحة طبرجا الى الشمال من بيروت، عاد الناس الى التداول في شأن هذه العقوبة، بعضهم من يعتبرها ضرورة للحد من الاجرام وبعضهم من يعارضها بشدة. وقد بدا هذا الانقسام بوضوح عندما التقى في ساحة طبرجا مواطنون صفقوا لتنفيذ العقوبة، بمواجهة ناشطين من "حركة حقوق الناس" لبسوا الاسود حداداً على ضحايا الجريمة، وعلى ضحايا الإعدام. هناك خطأ شائع في لبنان اذ يخيل للكثير من اللبنانيين أن عقوبة الإعدام استحدثت في لبنان سنة 1994. في حين ان الواقع مخالف. فقانون العقوبات اللبناني، الصادر سنة 1943، نصّ على عقوبة الاعدام. وما جرى عام 1994 هو إعادة إحياء ما سمي بقانون إعدام القاتل الذي كان قد أقر عام 1959 بناء لطلب وزير الداخلية آنذاك العميد ريمون اده. وهذا القانون يمنع القاضي من اعطاء الاسباب التخفيفية للمتهم الماثل أمامه. وحتى أواخر القرن التاسع عشر كانت العقوبات ومن بينها عقوبة الإعدام تعتبر في أكثر الدول نوعاً من الانتقام يمارسه المجتمع ضد المجرم. وفي القرن العشرين، وبصورة خاصة منذ الخمسينات، نشطت حركة إصلاحية تعتبر العقوبة رادعاً من جهة، وفرصة لاعادة تأهيل السجين من جهة اخرى. وبدأت المجتمعات المتقدمة، تحت تأثير حركة حقوق الانسان وعلماء القانون الجنائي، تحاول اعادة تأهيل المجرم كي يتمكن من العودة الى حياة طبيعية صالحة بعد خروجه من السجن، وكي يأمن المجتمع شر التكرار فلا يخرج من السجن رجلاً حاقداً تعلم داخله فنوناً جديدة في الإجرام. وأخذت هذه المجتمعات، تحت تأثير التيارات المشار اليها، وتحت تأثير الإعتبارات الدينية، تلغي عقوبة الاعدام. إن تنفيذ الاعدام في ساحة طبرجا وأمام كاميرا التلفزيون أعاد القضية الى دائرة الضوء واختلف الناس في تقييمها. وقد ازدادت حجة المعارضين لعقوبة الاعدام إقناعاً بعد الحادثتين اللتين حصلتا في لبنان واحدة في البقاع واخرى في الجنوب حيث حاول تلامذة صغار ابرياء تقليد الكبار "وتمثيل عملية اعدام بحيث كادت تقع كارثة". إن مؤيدي عقوبة الإعدام لا يحبذونها طبعاً تشفياً من المجرمين، بل اقتناعاً منهم بانها وسيلة للحد من الإجرام، الا انهم بدوا منقسمين حول تنفيذ الاعدام في الساحات العامة، اذ رفضه الكثيرون منهم. واذ كنت، شخصياً، أعارض بصورة مطلقة تنفيذ عقوبة الاعدام بصورة علنية احتراماً للموت، وحفاظاً على كرامة أهالي المعدومين، فضلاً عن تأثير المشهد سلبياً على نفسية المواطنين، وبصورة خاصة الاطفال من بينهم، فانني أعارض ايضاً عقوبة الاعدام من حيث المبدأ. فالاعدام، ومن منطلقاتي، مخالف للاديان. فالله يعطي الحياة وهو وحده يأخذها. واذا كان المجرم قد خالف التعاليم الدينية، وأزهق روح ضحيته، فهل يحذو المجتمع حذوه ويخالف ايضاً تلك التعاليم؟ والاعدام في رأيي مخالف لحقوق الانسان وللعلم الجنائي الحديث. ولا يرد على ذلك بان المجرم لم يحترم حقوق الانسان عندما قتل ضحيته، لان المجتمع لم يقبل الجرم فهل يرتكب جرماً مماثلاً. وأنا أعارض عقوبة الاعدام لا يسعني، الا ان أحاول تفهم وجهة نظر الذين يؤيدونها. وإنني اتطلع بشكل خاص الى شخص احترم واقدر وهو العميد ريمون اده. وانطلاقاً من رغبتي في إقناعه، واقناع الذين يقفون موقفاً مماثلاً، بوجهة نظري، أتمنى على رئىس الجمهورية ان يطلب الى السلطات الأمنية إعطاءه إحصاءً شاملاً بجرائم القتل خلال سنتي 1992 و1993 أي قبل المباشرة بتنفيذ الاعدامات، وخلال سنتي 1995 و1996 اي بعد مباشرة تنفيذ العقوبة، لنتبين ما اذا كان عدد جرائم القتل قد تضاءل. ويقيني أنه لم يتضاءل ابداً. واخيراً لا آخراً أتوجه الى السلطة التي تعتبر انها تدافع عن المجتمع عبر تنفيذ عقوبة الاعدام، وأسألها كيف تبرر موافقتها على تنفيذ الإعدام، في حين وافقت على قانون العفو عن تجار المخدرات، وهم الذين قتلوا عشرات الشبان بمخدراتهم؟ ألسنا بحاجة الى إعادة نظرة شاملة في سياستنا الجنائية؟