يحاول المحرر سعدي السماوي في المقدمة التي كتبها لهذا العدد الخاص من مجلة "اراب ستاديز كوارترلي" فصلية دراسات عربية، عن الادب العراقي الحديث المترجم الى اللغة الانكليزية، ان يستبق الانتقاد الذي سيثيره لا محالة بعض القراء وهو ان العدد لا يشمل كل الادب العراقي الحديث. فهو لا يقر بأن كتّاباً كباراً من قوميات أخرى في العراق مثل الاكراد والتركمان لا يرد ذكرهم فحسب، بل يشير ايضاً الى ان العدد لا يشمل كتاباً بارزين كثيرين من العراقيين العرب. ويقول إن هناك أسباباً كثيرة لهذا الغياب، اهمها عاملا الزمن والحيز المتاح. تصدر هذه المجلة الفصلية بشكل مشترك عن "رابطة الخريجين الجامعيين الاميركيين العرب" و "معهد الدراسات العربية". وحسب سعدي السماوي، فإن التخطيط لهذا العدد الخاص استغرق اربع سنوات، وأمضى قدراً كبيراً من الوقت في السعي إلى الاتصال بباحثين من العراقيين والأكراد العراقيين للمساهمة فيه، لكن من دون نجاح... وهو ادعاء سيثير استغراب بعض القراء. وواضح ان احد الاسباب الاخرى وراء استثناء كثرة من الكتاب العراقيين من هذا العدد هو ان المحرر اختار أساساً التركيز على مقالات تتناول بعمق اعمال كاتب معين بمفرده بدلاً من مقالات حول مواضيع واسعة. وفي ما يتعلق بالمقال حول عبدالرحمن مجيد الربيعي، الذي كتبه حسين كاظم، فإنه يركز على عمل واحد لهذا المؤلف هو روايته "الوشم" المنشورة في العام 1972. ويبرر كاظم ذلك انطلاقاً من ان هذه الرواية تحتل أهمية خاصة في تطور الرواية السياسية في العراق واثارت انتقادات كثيرة في انحاء العالم العربي. وتظهر المقالات التي يتضمنها هذا العدد الخاص مرة تلو الاخرى، على نحو يتعذر تجنبه، الثمن الباهظ الذي رتّبه التاريخ السياسي للعراق على كتّابه، الذين قضى كثيرون منهم فترات في السجن أو المنفى. وتأثر مضمون الكتابة واسلوبها لدرجة كبيرة بالمحيط السياسي وبالرقابة. وفي مقالها عن الشاعر مظفر النواب، تتفحص كارول باردنستين التأثير "المثمر" لمنع شعره وإخضاعه للرقابة ليس في العراق وحده بل في معظم العالم العربي على امتداد عقود من السنين. وادى ذلك، بالاضافة الى التراث العربي الشفاهي، الى نشوء اشكال جديدة لممارسة الشعر ونشره، إذ وزع الكثير من اعماله عن طريق أشرطة التسجيل. المقال الأكثر شمولاً هو للبروفسور صالح الطعمة، ويتضمن ما يصفه ب "ببليوغرافيا اولية". قد تكون الببليوغرافيا اولية فعلاً، لكنها مع ذلك مفيدة جداً. يشير الطعمة الى انها تشمل الكتاب اليهود العراقيين الذين عرفوا بنشاطهم الادبي في الفترة التي سبقت 1950 اذ نُشرت اعمالهم المترجمة قبل ان يغادروا العراق، مثل يعقوب بلبول وانور شاؤول. ويقول الطعمة انه لم يترجم الى اللغة الانكليزية الاّ جزءاً ضئيلاً من الادب العراقي الحديث. وركز معظم الاعمال المترجمة والابحاث التي نشرت بالانكليزية على الشعر بدل الاشكال الادبية الاخرى. واجتذبت المترجمين اعمال رواد الشعر الحديث أمثال بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري وسعدي يوسف. في المقابل، لم تترجم كثيراً اعمال محمد مهدي الجواهري الذي يعتبر اعظم ممثلي الشعر الكلاسيكي. ويوضح الطعمة ان ذلك لا يتعلق بمسألة التذوق الغربي فحسب بل يرجع أيضاً الى صعوبة ترجمة شعره. يبدأ العدد الخاص بمقال لسعدي السماوي عن الجواهري الذي توفي العام الماضي. ويعتبر الطعمة ان السبب وراء ضآلة ما نُقل الى اللغة الانكليزية من القصص القصيرة والروايات والادب المسرحي العراقي هو أنها "أكثر اهتماماً بمواضيع اجتماعية - سياسية ومسائل راهنة او قضايا ثورية من اهتمامها بمتطلبات فنية". ومن بين الكتّاب الذين يرى الطعمة انهم يستحقون بالفعل اهتماماً اكبر بسبب المستوى الفني لأعمالهم محمد خضير وعبدالملك نوري وعبدالرحمن الربيعي وفؤاد التكرلي. ويقول ان الببليوغرافيا التي اعدها لا تتضمن الاّ بضع كاتبات، أمصال عالية ممدوح وديزي الامير ولطفية الدليمي ومي مظفر، لكن "هناك روائيات أكثر بكثير يلقين الاهمال والتجاهل غير المبرر". وكان العراق قبل حرب الخليج يعيش وضعاً غريباً، رغم ما يشير اليه البروفسور الطعمة بلباقة ب "عيوبه السياسية"، اذ كان يمر بما يصفه ب "مرحلة من النهوض والانتاجية الاستثنائية على الصعيد الثقافي والفني والادبي". وهو يشير في مواقع عدة في الببليوغرافيا الى اعمال مترجمة الى اللغة الانكليزية نشرت في مطبوعات دورية عراقية مثل "إيراك توداي" العراق اليوم و"بغداد" و"اور" و"ازيور" و"جلكامش". وترجع الاعداد التي في حوزته من هذه المطبوعات الى ما قبل العام 1990، بالطبع، اذ لا يُعرف شيء يذكر عن الاعمال الادبية التي يُحتمل ان تكون قد ترجمت الى اللغة الانكليزية منذ ذلك الحين. كما يتضمن العدد الخاص مقالاً للبروفسور الطعمة عن شعر نازك الملائكة، يقدم فيه تقويماً نقدياً لابحاث كتبت في الفترة بين الخمسينات والثمانينات. ويقترح ثلاثة اتجاهات في مجال الابحاث لسد بعض الفجوات في الادب عن اعمالها: اولاً، البحث في ثقافتها الادبية، العربية وغير العربية، ومدى تأثير الغرب في أعمالها. ثانياً، تقديم عرض أوفى لشعرها على صعيد الترجمة والدراسات النقدية. ثالثاً، كتاباتها النقدية وموقعها في النقد العربي الحديث. وتروي كارول باردنستين في مقالها عن مظفر النواب بشكل مؤثر كيف سمعت شعره للمرة الاولى على شريط كاسيت في حفلة في القاهرة، وكيف تغيّر الجو في الغرفة على نحو مثير" "الصوت الذي كان يتلو الشعر - عميق وموسيقي وحسّي - انتحب وصرخ، إتهم وآسى مستمعيه الذين بدت عليهم بوضوح علامات التأثر". كانت القصيدة التي سمعتها هي "جسر المباهج القديمة" حول المذبحة التي تعرض لها الفلسطينيون في مخيم تل الزعتر في العام 1976. وفي مقالها تعود باردنستين مراراً الى هذه القصيدة، وكذلك الى "وتريات ليلية". الباحثة الغربية الاخرى التي درست بعمق أعمال شاعر عراقي هي اليكس بيلم التي اعدت اطروحة عن شعر عزيز السماوي لجامعة مانشستر في بريطانيا. وكتبت لهذا العدد الخاص مقالاً حول شعره لاحظت فيه انه على رغم استخدامه للغة العامية فان افكاره ليست واضحة فوراً ويتطلب شعره تأملاً كبيراً من قبل القارئ. يستخدم شعر السماوي صوراً من جنوبالعراق، وهو يشبّهه بثمرة تنمو على الاشجار، مطلقاً عليه اسم "الشعر العنقودي". وتتقصى اليكس بيلم بعمق ثلاثاً من قصائده التسع التي تضمنتها مجموعته الاخيرة "النهر الاعمى". وتقول إنه بدأ كشاعر رومانسي، لكن عندما اُعتقل لأسباب سياسية مرات عدة في الستينات اصبح شعره أكثر عمقاً وأكثر انفعالاً. وتمتزج مواضيع المنفى بمعاناته من ضعف البصر. ويولّد مقال اليكس بيلم لدى القارئ الانطباع بانه سيكون من المفيد ان تُنشر القصائد التسع في كتاب من ترجمتها بالاضافة الى ملاحظاتها. ويساهم سعدي السماوي بمقال حول استخدام اللغة العامية في شعر سعدي يوسف. وهو يصف شعر سعدي يوسف منذ مطلع الخمسينات ب "اغنية ملحمية عن البقاء في وجه الفاشية والتدخل الغربي على السواء". ويتقصى السماوي مزيج اللغة العربية الفصحى واللغة العامية العراقية، ويجادل بأن موهبة يوسف في ان يجعل المألوف والعادي شعرياً تكمن في قدرته على خلق اسلوب خاص به. وتتفحص فيبكه فالتر، وهي باحثة اكاديمية المانية، الاعمال الاخيرة لفؤاد التكرلي، موضحة حبكات بعض مسرحياته ورواياته وقصصه القصيرة. ويمتاز مقالها بقوة الملاحظة والتوضيحات، وهو ما جعلني اتوصل الى أنه سيكون من المفيد ترجمة واصدار مجموعة من اعماله باللغة الانكليزية. ويساهم سلام يوسف بمقال عن المسرح الشعبي ليوسف العاني، وعلاقة اعماله بالبيئة السياسية وبتطور المسرح العراقي في الخمسينات. ويتضمن المقال تحليلاً نقدياً يتناول مكامن القوة والضعف في مسرحيات مثل "المفتاح" و"الخرابة". وعلى رغم النواقص التي يعترف بها المحرر ذاته، فإن هذا العدد الخاص سيكون مفيداً للقراء المهتمين بالأدب العراقي. ونأمل ان يعد مؤلفون اخرون مزيداً من الدراسات التي تشمل كتّاباً اخرين، خصوصاً من الجيل الاصغر سناً، وتلك الاعمال التي ظهرت في الفترة منذ حرب الخليج، سواء داخل العراق او خارجه. * للحصول على عدد المجلة الاتصال ب: Association of Arab-American University Graduates 4201 Connecticut Avenue NW Suite 303 Washington, DC 20008 Tel: 202/237-8312 - Fax: 202/237-8313 e-mail: [email protected]