نادراً ما استطاعت سيارتان، في اتجاهين معاكسين، أن تعبرا في سهولة أي طريق في كثير من قرى البترون. وكان أي إنسان تقابله على الطريق "نديماً" لك في وحشة قاتلة، كأنك في "آخر العالم". وحدها بساتين العصي، وهي سهل بقاع مصغّر، تجعلك تحس أن الخير ما زال يدفق، علماً أن طريقها العام، كما طرق القضاء عموماً، "قادومية" معبّدة. هذه هي صورة قضاء البترون الرازح تحت حرمان والمفتقد الى إنماء حقيقي، والمتطلع الى ازدهار وتنمية يليقان ببلداته الجميلة، ولا تؤمنهما إلا بلديات منبثقة من إرادة الناس. جردُه تختصره بلدة تنورين، إحدى أكبر قرى لبنان. لائحة توافقية من 18 عضواً توصل إليها النائب بطرس حرب والنائب السابق مانويل يونس مع الفاعليات وممثلي العائلات. تقابلها "لائحة قرار الناس" التي تضم خمسة ترشحوا اعتراضاً على "التوافق الفوقي"، وإثباتاً للوجود. وإذ حصر يونس التنافس في الإطار العائلي متوقعاً للائحة أن تنجح بأعضائها كاملين، قال حرب، في منزله حيث كان يستقبل وفوداً شعبية، ل"الحياة" ان "الوضع جيد لولا حرتقة البعض"، معتبراً ان الانتخابات "تكريس لانتصارنا في المعركة الديموقراطية بعد مخاض عسير مع الحكومة". وأثنى على التشاور الذي أفضى الى ائتلاف يسقط الحواجز بين العائلات ويكرس وحدة البلدة. واعترف بأن اللائحة "لم تعجب كل الناس، لكنها تمثل الغالبية الساحقة". ورد المرشحون المعارضون بأن "الوفاق الحقيقي يقرره الناس" كما ورد في لافتات عدة رفعوها في البلدة. وقال أحدهم نعمة رعيدي أن "ثمة إمكاناً لخرق اللائحة التوافقية، وليس المهم أن نربح لأن القيمة ستكون لحضورنا". وفي دوما المنبسطة تحت تنورين بقرميد منازلها وشوارعها الواسعة، وغالبية أهاليها من الروم الأرثوذكس في وسط ماروني... التنافس عائلي في درجة أولى، كما هي حال معظم قرى جرد البترون ووسطه. لائحتان باسمي "الإزدهار" مرفق برنامجها بقرنفلة، و"المستقبل". واختصرت المرشحة رلى أسد شلهوب المعركة ب"الحبّية" وبابتسامة دائمة وبفنجان قهوة لمن يريد من الحاضرين داخل قلم الإقتراع. أما السياسة في انتخابات دوما فإذا وجدت فتحت عنوان "المفاتيح" الإنتخابية النيابية... وثمة من قال أن ترشحه ل"كسر" هذه المفاتيح. أما وسط البترون فتفاوتت حدة المنافسة فيه لأن غالبية قراه لا بلديات فيها، وهي موعودة بمعارك انتخابية للبلديات المحدثة الخريف المقبل. لكن المجالس الإختيارية، وإن بدت محل توافق في بعض القرى، شهدت تنافساً حاداً في أخرى. تبقى البترون المدينة... حيث تدور "معركة البواسل". ثلاثة رؤساء لوائح من آل باسيل: كِسرى المدعوم من النائب سائد عقل وابنته في عداد أعضائها، وأنطوان المدعوم من المرشح النيابي السابق جورج ضو، وجبران الذي يخوض المعركة باسم التيار العوني على رأس لائحة غير مكتملة، وهي الوحيدة باسم هذا التيار في قرى القضاء جميعاً. النائب عقل توقع الفوز للائحته كاملة، وردد أن "البترون كل عمرها معروفة: ثلثان لآل عقل بثلث لآل ضو". والمرشح أنطوان باسيل تحدث عن "ضرورة التغيير" الذي وضعه عنواناً للائحته. والمرشح جبران الذي رفعت لائحته شعار "شو ما صار... انتصار" اعتبر أن مجرد تشكيل هذه المجموعة وكسر طوق العائلات "يعد انتصاراً خرق التقليد المتبع في هذه البلدة. أما إذا خرقنا اللائحتين الأخريين فيكون الإنتصار أكبر". وكانت لافتة حركة أنصار التيار العوني في البترون، مكتباً يعجّ بالشبان وبصور العماد ميشال عون وشعاراته، وشباناً وشابات على الطرق العامة... من "قمصانهم تعرفونهم"، من دون إغفال "الزمور" الذي عندما أطلق أمام أحد مراكز الإقتراع لم يثر حساسية. 19 بلدية في قضاء البترون الذي يضم أكثر من 50 ألف ناخب. إنها فرصة لها، أياً تكن النتائج، للبدء بعملية الإنماء.