تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    «الداخلية» تدعم الجاهزية الأمنية في «الشمالية»    البطالة المقنعة    مديرة تكلف موظفاً بحل«واجبات ابنها»    إيداع مليار ريال لمستفيدي «سكني» عن شهر نوفمبر    حوكمة سوق الإعلان العقاري والتحذير من الإساءة للمنافسين ونشر البيانات الوهمية    الذهب يستقر بين رهانات خفض الفائدة وقوة الدولار    زيارة ولي العهد.. جسور بين الذكاء الاصطناعي والإستراتيجية التقنية    المقناص.. هواية وتراث    «إكس» تكشف الموقع الجغرافي لتعزيز الشفافية    مختص: لا تأثير لبركان «إرتا آلي» على أجواء السعودية    "حزب الله" يشيّع قائده العسكري وسط تزايد الضغوط لتجريد السلاح    محمد بن سلمان.. حين يكتب حضورُهُ فصولاً جديدة في السياسة والاقتصاد    خطة سلام أميركية - أوكرانية «معدلة» لإنهاء الحرب الروسية    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال يستضيف الشرطة العراقي لمواصلة سجله المثالي    ميسي يتألق ويقود ميامي لنهائي المنطقة الشرقية    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس البرلمان المجري    تطبيق الGPS.. ماله وما عليه    تقويم التعليم تطلق الرخصة المهنية للمدربين    عمار يا دمشق من غير إيكوشار    ضجيج اللحظة    أحمد السقا يستعد ل «خلي بالك من نفسك»    الاحتفاء بالمنجز الثقافي.. شهادة وطن    "الشؤون الإسلامية" تسلم 25 ألف مصحف للمالديف    الميكروبات المقاومة للعلاجات (1)    قطع غيار    «التخصصي» : زراعة أصغر جهاز لضربات القلب لمولودة    تدشين مركز زراعة القوقعة في «سعود الطبية»    قرعة نصف نهائي كأس الملك تقام 30 نوفمبر في استوديوهات "ثمانية"    الصندوق السعودي للتنمية وال (FIFA) يوقّعان مذكرة تفاهم تنموية لدعم البنية التحتية الرياضية في الدول النامية    أخضر الملاكمة والركل يشارك في بطولة العالم للكيك بوكسينغ 2025    الأهلي يخسر أمام الشارقة في دوري أبطال اسيا للنخبة    البرهان يقاوم الحل الأمريكي    رفع نسبة الالتزام بالتغطية الصحية الإلزامية    إنقاذ فتى من رافعة شاهقة    حقيقة ليلة منتصف النهار    فصيلة الدم المعرضة لأمراض الكبد    الأرصاد تؤكد سلامة أجواء المملكة من بركان إثيوبيا    الهلال الاحمر السعودي بتبوك يرفع جاهزيته إستعداداً للحالة الجوية المتوقعة على المنطقة    فيصل بن خالد يُعلن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    عبدالعزيز بن سعود يستقبل وزير الداخلية وزير مكافحة المخدرات بجمهورية باكستان الإسلامية    هطول أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة من يوم غدٍ الثلاثاء حتى الجمعة المقبل    جامعة سطام تواصل صعودها عالمياً في تصنيف البحث العلمي البيني    شراكة استراتيجية بين ميدل بيست و زين السعودية بهدف تطوير مستقبل الترفيه والموسيقى في المملكة    محافظ الطائف يقدم التعازي لوكيل المحافظة البقمي    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    هيئة تقويم التَّعليم والتَّدريب تستعرض الرُّخص المهنيَّة للمدرِّبين في لقاء بجامعة أمِّ القرى    إحباط تهريب (214,650) قرصًا مخدراً    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد ظهور النسر الأبيض الذيل    أتعبنا عقلك يا طارق    الناهشون في جسد النجاح!!    القطاع العدلي يواكب التحولات العالمية.. الصمعاني: الجودة القضائية ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    حين يكون العطاء لغة وطن    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلم والتقنية بين السيطرة والتحرر
نشر في الحياة يوم 08 - 05 - 1998

تشهد التقنية اليوم تطورات مذهلة تجعل العلم أقرب الى السحر منه الى أي شيء آخر. فقد حققت في زمن قياسي نجاحات عظيمة في كل الميادين مكنت الانسان من التعرف على الدقائق المكونة للمادتين الجامدة والحسية، ومن التعرف على مجاهل الكون البعيدة، وعلى بنية ومحتويات شعور الانسان ولا شعوره، واكتسبت قدرة على معرفة ما حدث في تاريخ الكون منذ ما يسمى بالبيغ بانغ الى الآن.
والميادين التي طالها التقدم التكنولوجي شاسعة يمكن اجمالها في الميادين التالية:
- تكنولوجيات المادة الصغرى الذرة - المواد المركبة الجديدة... والمادة الكبرى الفضاء - السياحة الفضائية - محض مكونات الكواكب والمجرات وحركية الكون اللانهائية....
- تكنولوجيات الحياة والمادة الحية، وتتمثل في استكشاف مختلف ثنايا الكائن الحي، والتي قادت نتائجها الى الاشراف على التحكم في عناصر ومكونات الحياة لدرجة تحويلها واستنساخها والى تطوير التكنولوجيات الطبية.
- تكنولوجيات الذكاء والمعلوميات. وقد تطورت هذه الصناعات المعرفية تطوراً لا حدود له في العقود الأخيرة، ومكنت من تخزين وتوزيع المعطيات والمعلومات والمعارف على نطاق واسع.
- تكنولوجيات الصورة والاعلام اذ أصبح العالم المعاصر عالماً تسيطر فيه الصورة بمختلف أنواعها وأحجامها واشكالها على العلاقات بين الناس، وعلى العلاقات مع الأشياء، ومع المعرفة، والحدث، والمتخيل والاخبار خالقة ما يدعى بمجتمع المشهد. ولعل أخطر ما انتجته هذه التكنولوجيا التركيب والعوالم المضمرة أو الكامنة. فهي تمكن من خلق مفاعيل سينما توغرافية، وتركيبات اشهارية، وفضاءات لهو، مثلما تنقلنا الى فضاءات زمنية ومكانية غير معهودة، كما تمكن الناس من القيام بتجارب غير معهودة في المعرفة والتعبير والاحساس. وهي بصدد خلق عوالم ممكنة موازية لا حد لها.
التكنولوجيات الحربية: وهي التكنولوجيات الرائدة في كل الميادين. ففي اطارها وفي حضنها تم اختراع الإنترنت وتطويره لحد أن اكتمل فتم نقله الى المجالات المدنية. ومخترعات هذه الميدان تتجدد باستمرار وبسرعة تفوق سرعة تطور التكنولوجيا الاخرى. ومن أهم منتجات التكنولوجيات الحربية: الصواريخ العابرة للقارات والطائرة الشبح، والمدافع العملاقة، والطائرات التي تنافس سرعتها سرعة الصوت...
هذه المخترعات التكنولوجية، بل التقنية لم تغير فقط وجه العالم، بل غيرت علاقة الانسان بالأشياء، مثلما غيرت الانسان نفسه. وهذه التغييرات متعددة الأوجه، وذلك اذا ما نظرنا الى العلم، التقني باعتباره قوة. فهي تطال علاقة الانسان بالانسان وعلاقة الانسان بالطبيعة وعلاقة الانسان بنفسه.
فالعلم التقني المعاصر بقواه الهائلة ليس أداة محايدة بل هو أداة سيطرة. ولذلك فالشعوب التي شهدت تطور العلم والتقنية هي التي تتحكم اليوم في العالم وتسيطر عليه. فقد ارتبط التطور العلمي والتقني دوماً بالسيطرة. فالاستعمار هو شكل السيطرة الكونية الملائم للثورة العلمية والتكنولوجية الأولى التي حدثت في أوروبا خلال ما يسمى اصطلاحاً بالعصرالعلمي التقني عند المنعطف المفصلي بين القرن السابع عشر والثامن عشر. ونظام السيطرة الكوكبي اليوم سواء سميناه بالمصطلح الماركسي الكلاسيكي: الامبريالية أو بمصطلحه العصري: العولمة هو شكل السيطرة الملائم للثورة العلمية التي حدثت في منتصف هذا القرن وفتحت، بفعل تطور الاعلام والمعلوماتية، والاقمار الاصطناعية التي هي عيون دقيقة تراقبنا وتقرأ حتى لوحات أرقام سياراتنا، باب السيطرة عن بعد. فالغرب اليوم يراقب ويتحكم في كل الدورات الكونية: الدورة المالية في العالم، الحركية الاقتصادية، الدورة الاعلامية والمعلوماتية دورة انتقال المعارف والخبرات، دورة حركة الجيوش والمعدات الحربية والمداخل والمخارج الاستراتيجية بحيث يتابع بتفصيل دبيب أصغر نملة من أقصى وأنأى بقعة في العالم. والغرب، بالاضافة الى ذلك أصبح، بواسطة تحكمه في دورة رأس المال العالمية، قادراً على التحكم في درجة وكيفية تطور بقية الشعوب فهو يتحكم في الاسواق العالمية لبيع وترويج المواد الاساسية ومختلف البضائع المطلوبة عالمياً ابتداء من مواد الطاقة الى المواد الاستهلاكية الى صناعات الفرجة. كما انه ينمذج اليوم لأنماط السلوك واللباس، والثقافة والذوق، والمتخيل، واللذة، والمتعة....
تتجلى مظاهر سيطرة الغرب المتقدم تكنولوجيا كذلك في القدرة التي يمارسها اليوم على التوحيد الشكلي لانماط الحياة وطرائق التفكير والتدبير وعلى مستوى خط الانتاج والاستهلاك الثقافي الجماهيري.
لكن بجانب انماط السيطرة تترى أشكال التحرر وتنمية قدرات الانسان كنوع، وذلك من حيث ان الثمارالتكنولوجية يتم بالضرورة تسويقها على نطاق الكوكب كله فتستفيد منها كل الفئات وكل البلدان.
فقد قهر التطور العلمي والتكنولوجي بعض الأمراض المستعصية وأطال معدل العمر، وخفف الألم، وزاد من قدرة العين، ومن الطاقة الادراكية للدماغ، وقلص المسافات، وأحدث تسارعاً مهولاً في الزمن، ولسير الاتصال الآني بين مختلف أرجاء المعمورة واستكشف مجاهل الكون البعيدة، وأسرار المادتين الجامدة والحية.
هكذا يندغم في كل من العلم والتكنولوجيا، بشكل رفيع، بعد ان لا يمكن الفصل بينهما: بعد التحرر، وبعد السيطرة تجاه الآخر، تجاه الطبيعة، وتجاه الذات. وهذان البعدان متلازمان بل انهما وجهان لنفس العملة، لدرجة انه لا يمكن تصور امكان وجود أحدهما من دون الآخر. وتلك احدى السمات الاساسية لحداثة تقنية بلغت أقصى درجات الكثافة والتخمة والتي اطلق عليها السوسيولوجي الفرنسي المعروف جورج بالاندييه G. Balandier اسم "الحداثة الكثيفة" أو "الحداثة الزائدة" Surmodernite التي يتوازى فيها بشكل حتمي بعدا الحرية والسيطرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.