يتغير العالم بسرعة. قبل اسبوعين كان النادي النووي الدولي يضم خمسة أعضاء فقط: الولاياتالمتحدةوروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين. اليوم أصبح الأعضاء سبعة، أي أن عددهم ارتفع خلال الأسبوعين بنسبة 40 في المئة. وهذه نسبة مذهلة اذا أخذ في الاعتبار أن النادي أسسه عضو واحد هو الولاياتالمتحدة إثر تفجيرها قنبلتين نوويتين في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 1945، لكن الأمر تطلب عشرين سنة أخرى حتى بلغ عدد أعضاء النادي خمسة. من وجهة نظر المثالية الأخلاقية، مع الاعتراف بأن لا مكان لها في عالم الجيوبوليتيك والواقعية السياسية والنظرة الميكافيلية للسياسة والمجتمع، يجب اعتبار وجود السلاح النووي وامتلاكه والتهديد به دليلاً على انحطاط الانسان والدرك الذي إنحدرت إليه العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي. ولعل أكثر ما أثار الاشمئزاز كان مشاهد الحشود المبتهجة بالتجارب النووية في الهند قبل اسبوعين وباكستان قبل يومين، وهما بلدان يُعاني فيهما عشرات الملايين من البشر الفقر والجوع والأمراض وسوء التغذية وتدهور العناية الصحية والاجتماعية. بعبارة أخرى كان في إمكان الهند وباكستان التأسيس لتأمين خدمات أساسية تمنع هذه الآفات عن شعبيهما باستخدام بلايين الدولارات التي انفقاها، وسيواصلان انفاقها، على انتاج أسلحة للدمار الشامل. لكن من الأفضل العودة الى عالم الواقعية الجيوبوليتيكية. في ظل الحرب الباردة كان كل تطور في العالم يكاد يتم في إطار الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، أو الغربي والشرقي، أو بدقة أكبر بين الولاياتالمتحدة وحلف الاطلسي من جهة، والاتحاد السوفياتي وحلف وارسو من جهة أخرى. وكان سلوك المعسكرين تجاه بقية دول العالم وأنظمتها يتحدد على أساس مقولة "جيوبوليتيكية" مشهورة هي "إنه ابن كلب لكنه إبن كلبنا". ولكن إذا كان ممكناً في ظل الحرب الباردة لضحية عضّةٍ من "إبن كلب" أن يوجه اللوم الى إحدى القوتين العظميين، فإن الوضع يختلف اليوم بعدما باتت هناك قوة عظمى واحدة هي الولاياتالمتحدة التي أعلنت إثر انهيار المعسكر الشيوعي الدولي وزوال الاتحاد السوفياتي انفرادها بزعامة العالم. فإلى هذه القوة وحدها يوجه اللوم كل من يعضّه "إبن كلب". هكذا عندما تعضّ روسيا الضعيفة اليوم، في يوغوسلافيا أو في العراق، فهي تفعل ذلك فقط عندما تشعر بأن أميركا هناك ضعيفة أو غائبة. هذا هو الواقع، وهو مفروض على العالم والولاياتالمتحدة بحكم تفرد الأخيرة بالزعامة. وللدقة، تقع المسؤولية تحديداً على الادارة التي تحكم الولاياتالمتحدة. وطالما الأمر كذلك، فالعالم يصبح مكاناً أفضل إذا كانت الادارة التي تحكم في الولاياتالمتحدة تمتلك الخصائص التي تؤهلها للتفرد بالزعامة العالمية، ومكاناً أسوأ إذا كانت هذه الإدارة تفتقد هذه الخصائص. ولعله لن يكون تجنياً على الحقيقة القول إن السياسة الخارجية لادارة الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون، خصوصاً منذ بدء ولايته الثانية في 1996، لا تشير الى أنها تمتلك هذه الخصائص. فالرؤية الاستراتيجية الواضحة والعزم والارادة الحاسمة، وهي بعض خصائص أساسية للزعامة، خصوصاً زعامة العالم، كلها غائبة عنها. وليس صعباً ذكر أمثلة على الفشل المتواصل للسياسة الخارجية الأميركية في منع الانفلات السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، في غير مكان في العالم، من الشرق الأوسط الى البلقان الى جنوب شرقي آسيا الى روسيا، وآخرها هذا الانفلات النووي في الهند وباكستان